قمة بوتين – بايدن.. ما أنجزته يمكن البناء عليه

د. صياح فرحان عزام:

كنا قد أشرنا في العدد السابق إلى قمة الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن، تحت عنوان (القمة المتنظرة)، ونتابع الحديث عنها في هذه المقالة.

فقد انعقدت القمة في موعدها في السادس عشر من شهر حزيران الجاري، ورغم أنها خطفت الأضواء، كحدث غير عادي في ظروف غير عادية أيضاً، لأن الرئيسين يمثلان نخبتَي بلديهما، من خلال عمق التجارب والخبرات، ومن خلال أن كلّاً منهما يعبّر عن مشروع لحجز مقعد فاعل لبلاده على الساحة الدولية.

الرئيس بوتين يسعى جاهداً للتقدم ببلاده إلى الأمام، بعد أن بنى لها بهدوء وحنكة وحزم مراكز قوة لا يمكن تجاهلها، في حين يسعى الرئيس بايدن إلى وقف تراجع مكانة بلاده وترميم ما تركه سلفه ترامب من فوضى وخراب وتردي في الداخل الأمريكي، وعلى مستوى العلاقات مع الدول الحليفة والصديقة.. وبالتالي وحسب تقييم العديد من المحللين السياسيين، كأن هذه القمة مثلت حاجة ملحة للاثنين والدولتين العظميين، لكونهما تمتلكان أكبر مخازن الأسلحة النووية وأخطرها، وتتموضعان على غالبية خطوط التماس في العالم، منها الحرب السيبرانية وخطوط الاشتباك الأخرى في أوكرانيا وسورية، تحيط بها التباسات متعددة كشعار حقوق الإنسان ودعم المعارضين، والدفاع عن الحرية، من قبل أمريكا، والوضوح والحزم من جانب روسيا الاتحادية فيما يتعلق في حق الشراكة في قيادة العالم أو الاحتكام للقانون الدولي.

البعض وصف هذه القمة بأنها (قمة على حدود التفاؤل) وما يدعم هذا الوصف ويقر به من الحقيقة، ما بدا خلال المؤتمر الصحفي للرئيس بوتين من حزم وعدم الرغبة في التسرع بالتفاؤل، بانتظار قرارات وآراء مراكز قوى أمريكية تُناصب موسكو العداء (الدولة العميقة والكونغرس)، بينما ظهر الرئيس بايدن مبشراً بمرحلة جديدة، وبأن الأمور بين الدولتين العظميين تسير باتجاه الأحسن والأفضل.

وبعد مباحثات استمرت قرابة خمس ساعات في فيلا لاغرانج في جنيف، اتفق على عدة أمور منها: عودة السفيرين الروسي والأمريكي إلى مقرَّي عملهما في واشنطن وموسكو، وتشكيل فرق عمل خاصة بالأمن السيبراني، والتشديد على اتفاقيات الحد من التسلح، وتنظيم التعاون في القطب الشمالي، والاحتكام للقرارات الدولية بالنسبة لأوكرانيا وليبيا وسورية.. هذا مع ترك وضع التفاصيل لوزيري خارجية البلدين.

وقد أجمع المراقبون السياسيون على أن الاتفاق على هذه الأمور بين الرئيسين زاد من حجم التفاؤل بهذه القمة، خاصة أن العلاقات بين الدولتين وصلت إلى مستويات سيئة للغاية ومقلقة، بسبب فرض واشنطن عقوبات متلاحقة على روسيا، وتبادل طرد الدبلوماسيين من العاصمتين وقد بدأته أمريكا، والتصريحات غير الدبلوماسية المتبادلة التي سممت العلاقات أكثر فأكثر، منها على سبيل المثال وصف الرئيس بايدن للرئيس الروسي بأنه (قاتل)، والحديث عن ضرورة ردع روسيا وتدفيعها ثمن ما سميت هجمات إلكترونية، وسياستها في أوكرانيا وضمها لجزيرة القرم.

على أي حال، يمكن القول إنه كانت هناك مخاوف من تحول القمة إلى ما يشبه المبارزة المفتوحة بين الطرفين، لكن البداية أوحت بعكس ذلك، إذ شكر الرئيس بوتين نظيره الأمريكي على اقتراح عقد القمة، وتمنى أن تكون مثمرة، في حين وصف بايدن بلاده وروسيا بأنهما دولتان عظميان، وتفاءل باللقاء وجهاً لوجه كخطوة مفيدة للطرفين.

إجمالاً يمكن القول إن القمة حققت بعض النجاحات كما أشرنا إليها أثناء الحديث، وأنها تشكل بداية جديدة للعلاقات بين البلدين، إذ إن التفاهم بينهما يسهم في إيجاد حلول مقبولة للكثير من المشاكل الدولية العالقة، ويبقى الأمر الهام هو الالتزام بما اتفق عليه.

 

العدد 1102 - 03/4/2024