استراتيجيات.. أم تخبط وعشوائية؟

الدكتور سنان علي ديب:

أسبوع ساخن على المواطن والوطن بعد الإجماع الشعبي لنصرة سورية ومنع أي تدخل بالعمل المؤسساتي، وانبهار العالم بوحدة الشعب السوري في الداخل والخارج معبراً عن أمله وعمله لعودة سورية وتجاوز المطبات الإرهابية المتنوعة، وكان آخرها الإرهاب الاقتصادي عبر تكامل المضاربات على الليرة، مع الحصار والعقوبات والخناق الاقتصادي القاتل متزامنين مع فوضى أسعار نارية عشوائية وسط تفرّج المؤسسات المعنية وتبسمها، رغم أنها المنوط بها مواجهة هذه الظواهر. وساهمت التهدئة السياسية والإعلامية قبل الاستحقاق وبعده في تخفيف اللهيب وسط بعض السياسات النقدية التي غض الطرف عن نقدها في توقيتها، وفي الإعلان عن الهدف منها، ومنها رفع سعر الحوالات والصرف بغية جذب التحويلات التي طالما قلنا إن قلتنا في الأغلب عبر التحريض والتوجيهات، وكذلك رفع سعر الصرف وتثبيته فوق ٢٥٥٠ ليرة سورية ووقتها كان الرأي إن كان فحوى السياسات آنياً للانطلاق والوصول إلى سعر موازن بين المواطن والمنتج والوطن فهو سلوك يحتمل، ولكن إن ظهر غير ذلك فالنتائج ستكون كارثية وغير منضبطة، وآثارها ستحقق للمغرضين المراهنين على الضغط والخنق الاقتصادي ما لم يستطيعوا بأساليب أخرى، وبالتالي تكون السياسات المشار إليها وما سبقها تخبط وعشوائية مجهولة النتائج. ونعود لنهج التجريب الذي كان العنوان الأهم ولم تقتصر المفاجآت على السياسة النقدية وتواليها، والتي بحجة عدم المضاربة على الليرة قوضت البيع للعقارات والسيارات ورفعت أسعارها، فساهمت بتضخم أكبر من الواقع، ومنها تقييم العقارات بأضعاف سعرها مما جعل الأسعار تحلق والإيجارات بلا رابط. صحيح أننا باركنا صراحة وزير المالية بأن أغلب الموظفين يشاركون في الفساد وفي التهرب الضريبي، وبأن أغلب الضرائب وهمية واستنزاف للخزينة ومنها العقارات، ولكن هذا لا يعني فتح باب أكبر للابتزاز بتقييم العقارات بين سعرين الفارق بينهما كبير ويهبط حسب الرشا، وتكون حجة الوزارة بأنهم جهلة لا يعرفون الثمن الحقيقي ولكن تطير الأسعار، وكذلك بإرساله لجاناً فجائية توحد الفعاليات الاقتصادية بحلب وتجعل بعضها يغلق أبوابه وسط تحدي أكبر من لجان، وإنما لنكون تحدي لمؤسسات الدولة ودورها، وكما حصل سابقا مع الجمارك وليعطي الإجماع مفعوله لتعيد الحكومة تقييم ما كلفت به اللجان ولنكون أمام مساءلة هل الجمارك ولجان المالية على حق أم التجار؟ هل كان هناك ابتزاز وتجاوز للأدوار أم أن الرشا ضيعت الوظيفة والمهام ووضعت الحكومة في موقف أضعف؟ وكذلك لماذا التراجع بعد خلق الفوضى والبلبلة من دون توضيح؟ أم أننا مازلنا ضمن التجريب بلا معرفة ودون الاهتمام للنتائج؟

وننتقل إلى تقويض المرسوم ٨ المتعلق بالأسعار والتسعير، وقبل الانتقال إلى ما سرب عن رفع أسعار، نتطرق لما سمي أشباه الأجبان والألبان والتراجع عنه دون أي تأنيب ضمير أو محاسبة ومحاولة التمرير، علماً أن هذه المواد منتشرة ويتغاضى عنها ويغش المواطن بها وهي ذات تأثيرات سلبية على صحة الانسان إلا إذا كنا ننظر إليه كشبيه للإنسان، وكذلك تلميع منتجات كهذه تؤدي بالتكامل مع رفع العلف وتقويض أي دعم، إلى تدمير القطاع الحيواني والاستمرار بقتل الطاقات الإنتاجية زراعية وحيوانية وصناعية وحتى السياحية، فهل ما نراه استراتيجي لتضخيم من أجل العلاج أم تخبط وعشوائية مفقرة مجوعة قاتلة؟ ننتظر الآتي ونفاجأ اليوم بأن المالية ترفع قيم الاستيراد لبعض المواد منها: بطاريات السيارات والدراجات النارية + سمنة نباتية وزيوت حيوانية + زيت عباد الشمس الخام المستخدم في الزيوت النباتية في سورية + زيت النخيل للزيوت النباتية + ذرة صفراء + كسبة الفول الصويا للزيوت النباتية + بن غير محمص + سكر أبيض مكرر + سكر خام + بيليات الحديد + حليب مجفف بدون دسم + حليب كامل الدسم مجفف + والسراميك الارتفاع يُقدر بثلاثة أضعاف السعر الحالي مع احتساب الأسعار الاسترشادية الجديدة وسعر الصرف الذي اعتمد مؤخراً!! ونقول تثبيت سعر الصرف أوصلنا إلى مسار خطير، وقبل رفع هؤلاء رفعوا أسعار الدواء بنسبة 30_ 40% لأكثر من ١١ ألف صنف دوائي، وسط تذمر أصحاب المعامل من هذه النسبة، ووسط محاباة أصحاب القرار ووسط التغاضي عن المخزون من المواد والمواد الأولية، التي سعرت بالأسعار السابقة، ويبقى المواطن يتساءل هل ما نراه من سياسات عشوائية لأنهم ينظرون إلينا على أننا أشباه بشر؟! وأين المنظمات والاحزاب والمؤسسات والمجالس هل قبلوا أن يكونوا أشباهاً. أحد ما سرب بأن عدم الموافقة على أشباه الأجبان والألبان بسبب ممانعة أغلبية مجلس الشعب! ويبقى السؤال ومن مرر الباقي من السياسات أم أنها من منظورهم مفيدة؟ أحد جهابذة تمرير القرارات والدفاع عن تعويم العملة يبرر بأن حجم عمالة القطاع العام لا تزيد عن ٢٠ بالمئة، ويجب لفت نظره بأن هؤلاء من كان لهم الدور الأكبر في حماية البلد وثقلهم موظفو الجيش والأمن ومن ساندهم، وفقر وعوز هؤلاء شلل للدولة، أم أن فكرة تقويض المؤسسات وسلب دورها عادت لبعض النفوس المأجورة؟ وجهبذ آخر يقول تصدير الخضروات والفواكه لا تؤثر على اسعارها. وبمعزل عن عبقريته نتساءل: قطع التصدير أين يذهب كوننا في بلد يمر بظروف استثنائية. مهما حاولوا التبرير تجريب وتخبط وعشوائية عن قصد أو جهل.. صعبوا تنزيل الصرف والأسعار حتى تكون أي زيادة مستهلكة قبل إحقاقها.. وأعود وأكرر في الظروف الاستثنائية القرارات استثنائية. فرق اقتصادية أثبتت فشلها وبالتالي خلايا مشتركة لإدارة الملفات هي الحل للبناء الاستراتيجي للبلد، حان الوقت للتعرية ولنفهم كما توقعنا لماذا عاد الإرهاب الاقتصادي بشكل أفظع وأوجع؟  نحن في سورية لم ولن نقبل أن نكون اشباه بشر. قبل الحرب تجاوزنا أغلب الدول بالتنمية والرفاهية قبل أن يبدؤوا بدردرة الاقتصاد والمجتمع السوري. من يريد قتل دور المؤسسات يريد قتلنا مع سورية. وهذا هو النضال والجهاد الواجب الحقيقي.

 

العدد 1102 - 03/4/2024