لرجلٍ علّمني معنى التواضع: أبي!
ريم داود:
لا عزَّ كعزِّ الأب، ولا دلال كدلاله.. لرجل من خيرة الرجال.. في كل مرة أنظر فيها إلى وجهك، أتمعّن في تفاصيل الزمان، وكيف خطّت سنوات من الشقاء والعناء تجاعيد تحكي مسيرة إنسان. رحلة من التضحية مررتَ بها ولا تزال تبحث جاهداً عمّا يؤمّن الراحة والأمان لنا دون أن تشعرنا بعناء ذلك، فعنوان حياتك كان أن المصالح والخيرات واللذات والكماليات لا تُنال إلاّ بحظٍّ من المشقّة، ولا نعبرها إلّا على جسر من التعب. فمعك، ومن خلالك عرفتُ أن الوجوه مرايا النفوس، تُضيء بضيائها وتُظلم بظلامها، وأن الضمير الصادق والعزيمة المخلصة تجعل الأفعال مصداقاً للأقوال، لا تتلون ولا تتذبذب. فجاءت أفعالك مصداقاً لأقوالك. وعلى الرغم من خجلك الدائم في التعبير عن مشاعرك وبواطنك، إلاّ أنني كنتُ أدرك وأعلم أن خلف تلك القوة والجبروت كتلة من الحنان والرقة أشعر بها كلما تألم أحدنا، وأن خلف ذلك القلق الهائم حرصاً وخوفاً كبيراً من الزمان ظهر جلياً على وجهك ليلة زفافي.
كم تغمرني السعادة يا أبي، عندما أرى طفليّ يتمايلان متأرجحين بين كفّيك اللذين تمايلت وإخوتي بينهما سابقاً، كفّين يفصحان ملخصين بإحكام مسيرة تعب وعناء ساهمت بكوني اليوم أمّاً مربية مسؤولة عن أسرة وأطفال، أنهجُ النهج ذاته في الأخلاق والفضيلة والتربية التي ترعرعتُ عليها! وكعربون شكر وامتنان وعرفان وتقدير لما قدمته على مرِّ سنوات وما زلتَ تقدمه لنا من دعم ومساندة ومساعدة، أستهلّ مقالي هذا بذكرك، راجية الله أن يكلّل حياتك بالصحة والعافية.
*دور الأب في حياة الأسرة: يظنُّ بعض الآباء أن دورهم في الأسرة يقتصر على تأمين المأكل والمشرب والملبس للعائلة، مخطئين في هذا التقدير خطأ فادحاً، غافلين عن الدور المهم الذي يلعبه الأب في تكوين جغرافيا الأسرة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها. نعم، لقد خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى يتقاسمان الحياة مشاركة فيما بينهما، وتكوين الأسرة هكذا تماماً، فتربية الأطفال مهمة ليست بسهلة كما يظنّها البعض، ونحن لا نحيا وسط غابة ننجب الأطفال فيها ليشبّوا ويكبروا دون اهتمام وتلقين منظّم للأخلاق والفضائل والمكارم التي ينبغي أن يتعلموها بعيداً عن الرذائل والخصال السيئة.
وللأسف الشديد تشكو كثير من السيدات ضمن مجتمعنا العربي من إهمال أزواجهن في واجباتهم تجاه الأطفال، ناسين متناسين أنه من الضروري أن يقدّم الزوج المساندة لزوجته ويتحمّل معها العبء والمسؤولية عن تربية الأولاد، لأن هذه المهمة ليست مقتصرة على الأمهات، فهذا واجبه كأب أيضاً.
* غياب دور الأب وتأثيره النفسي على شخصية الأطفال: إن غياب دور الأب في حياة الأطفال والأسرة له تأثيرات سلبية كبيرة، ويرى علم النفس أن الأب هو هرم أساسي ورئيسي في العملية التربوية، وعلى كل أب أن يدرك مدى أهمية دوره ووجوده الذي لا يتمثّل فقط بالجانب المادي أو الحضور الشكلي، بل لابدّ من أن يمارس الوالد دوره الرئيسي في التربية والمتمثّل في التعليم والتلقين المبني على الحوار الفعّال والمتبادل بالتفاهم بينه وبين أطفاله، فمن مقومات الأسرة الصحية نفسياً هو وجود الأب والأم يعملان معاً على رعاية أطفالهم وتربيتهم وتنشئتهم بشكل إيجابي خلال مراحل نموهم العقلية، الجسدية، النفسية، والوجدانية وأن غياب أحد هذه المقومات، أي (الأب أو الأم) يؤدي بالضرورة إلى خلل يقود بالأطفال إلى غياب الأمان النفسي والثقة وتقدير الذات، الذي يؤدي أيضاً إلى مشاكل على الصعيد الاجتماعي تتمثّل بتأخّر دراسي، تسرّب، مشاكل أخلاقية …إلخ.
إن أشدَّ ما يعانيه الأطفال هو غياب والدهم عن البيت لأسباب قد تكون قسرية كالمرض أو الوفاة، وأسباب ثانوية كالسفر، الزواج من أخرى، أو التغيّب لفترات طويلة بسبب طبيعة العمل. وفي جميع الحالات التي ذكرناها يجب على الأم أن تهتم بأطفالها محاولة قدر الإمكان تخفيف الآثار السلبية الناتجة عن تقصير الأب المقصود أو غير المقصود، دون العمل على زجِّ صورة مكروهة في ذهن الأطفال عن والدهم، فهو قدوتهم ونبراسهم في هذه الحياة.