حول القمة المرتقبة بين بوتين وبايدن

د. صياح فرحان عزام:

بعد أخذ ورد، أعلن مؤخراً عن عقد قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن، في شهر حزيران 2021، وذلك في جنيف، المدينة السويسرية التي شكلت على مدى عقود طويلة نقطة اجتماع بين الشرق والغرب.

وفي هذا السياق يُطلق مسؤولون من الطرفين تصريحات عن إجراء (محادثات صريحة وشفافة وبناءة) كما يقولون، وأن هذه المحادثات ستتناول الخلافات العميقة بين الجانبين، والقضايا العالقة بينهما، ومعظم القضايا الدولية، وعلى ما يبدو حتى الآن، أنه تتوفر رغبة مشتركة في أن تثمر هذه القمة وتشكل نقطة فارقة، ليس على مستوى العلاقات بين موسكو وواشنطن فحسب، بل على مستوى الوضع الدولي ككل.

وعلى الرغم من أن هناك تفاؤلاً بهذا الشأن وما ستسفر عنه هذه القمة، إلا أن أكثر المتفائلين بها لا يتوقعون أن يؤدي لقاء الرئيسين إلى اختراق كبير، بسبب الخلافات الواضحة بين الجانبين حول عدة قضايا أبرزها:

أوكرانيا، والأمن السيبراني، والتوازن النووي، ومزاعم التدخل في الانتخابات الأمريكية، ولكن في الوقت نفسه، يمكن لهذه القمة أن تتوصل إلى بلورة مقاربات مشتركة تعمل على تخفيف التوتر، والاتجاه نحو علاقة بناءة تسهم في مساعدة العالم أجمع على حل أزماته والحد من تأثيراتها السلبية.

يعلم الجميع وخاصة المتابعون للعلاقات الروسية – الأمريكية أن الخطاب بين القوتين العظميين كان صدامياً إلى حد كبير، وتخللته تصريحات وعبارات غير مألوفة في اللغة الدبلوماسية ولا حتى في الخطاب العادي، فالرئيس بايدن وصف نظيره الروسي بأنه (الرجل القاتل) ولجأ إلى تصعيد العقوبات على موسكو، ما اضطر الرئيس الروسي بوتين أن يرد بتصريحات موجهة إلى واشنطن ضمنياً، أكد فيها (أن من يسعون إلى قضم شيء من روسيا سنكسر أسنانهم حتى لا يعودوا قادرين على القضم). والمعنى معروف ولا يحتاج إلى أي تأويل باستثناء أن الغضب الروسي قد بلغ مداه، وخاصة بعد الوصف الظالم والوقح والبعيد عن الحقيقة للرئيس الروسي بالقاتل، إذ إن القاتل الحقيقي للأفراد والشعوب والدول الصغيرة هو الولايات المتحدة الأمريكية التي أفنت سكانها الأصليين من الهنود الحمر واستعبدت من بقي منهم على الحياة، وقتلت وماتزال تقتل مواطنيها من السود والمهاجرين، ودمرت فيتنام والعراق وأفغانستان ويوغسلافيا، وقتلت السوريين والفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين وغيرهم والحبل على الجرار.. هذه الأمثلة نسوقها ليس دفاعاً عن موسكو والرئيس بوتين، بل للتذكير بالحقائق، بينما روسيا لم ولن تقتل أحداً ولم ولن تدمر دولة أو تستعمرها.

على أي حال، يأمل الجميع أن تكون هذه القمة المنتظرة إيجابية وبناءة، وأن تتوصل إلى قرارات وإجراءات وتفاهمات فعالة، تسهم في تخفيف التوتر والحروب الاقتصادية والإعلامية التي مارستها واشنطن ولاتزال تمارسها ضد موسكو وضد كل الدول التي لا تخضع لمشيئة أمريكا وتوجيهاتها، علماً بأن روسيا عملت جاهدة على التحذير من هذا النهج الأمريكي المعادي للشعوب والدول الصغيرة دون أن تلقى تجاوباً من واشنطن حول ذلك، ولو أن موسكو ردت على الاستفزازات الأمريكية المتعددة، لكانت الأوضاع انزلقت نحو الأسوأ، لاسيما منها الاستفزازات في أوكرانيا وبحر البلطيق وسورية وفي القطب الشمالي وغير ذلك من الأمكنة.

ومما يجدر التذكير به، أن الولايات المتحدة حتى الآن لم تسلّم أو لم تقر بأن عالماً جديداً في طريقه إلى التشكل والتبلور، بعد أن اتضحت معالمه، عالماً يرفض الأحادية القطبية والتسيد الأمريكي عليه لمدة ما يقارب من القرن، فروسيا التي استعادت مكانتها وعادت بقوة إلى الساحة الدولية وبنهج جديد وعقلية جديدة، والصين الصاعدة اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً ومعهما العديد من الدول الوازنة، لم تعد تقبل بالتهميش والتسلط اللذين مارستهما الولايات المتحدة في العالم، وتسعى- كما أشرنا- إلى إقامة عالم متوازن تحكمه الشرعية الدولية والقوانين الإنسانية العادلة، ويؤمن بالتعايش السلمي الخلاق البعيد عن الهيمنة والتسلط ونهب خيرات الشعوب. بمعنى أنه على الولايات المتحدة- إن كانت جادة في تحسين علاقاتها مع روسيا والدول الأخرى- أن تأخذ حقائق الواقع بعين الاعتبار.

 

العدد 1102 - 03/4/2024