الفساد.. هاجس وطني وعالمي

يونس صالح:

لقد تحول الفساد على مدار السنوات الماضية من هاجس وطني أو إقليمي إلى قضية عالمية، وقد تبنى عدد من المنظمات الدولية هذه المسألة بحماس، مثل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات. لقد أصبح الفساد نظاماً سائداً في المجتمع العالمي، وأخذ ينكشف لأسباب عدة، منها التغير السياسي في ربع القرن الماضي، وتحول العالم إلى أساليب الحكم الليبرالية المفتوحة، وعصر المعلومات الذي ساهم في ظهور بيئة ثرية بالمعلومات، لم يعد القادة في ظلها قادرين على إخفاء تصرفاتهم وغيرها.. لقد أدى تعولم الاقتصاد إلى تعولم المشكلة.. إن النظام المالي الدولي المتشابك إلكترونياً يعمل على زيادة فرص الفساد، كما يتيح أيضاً فرصاً جديداً لفضحه.. ولعل عملية خصخصة الممتلكات العامة هي إحدى المصادر المهمة للكسب غير المشروع. وتبقى أهمية الجهود المبذولة هي محاولة إحكام السيطرة على مشكلة تقديم الرشا في معاملات الأعمال الدولية، حيث تسمح الكثير من الدول المتقدمة بتقديم الرشا، وتعتبرها الشركات جزءاً من نفقات المشروعات، وهي ممارسة أفسدت البلدان الرأسمالية الصناعية بها حكام البلدان النامية. وتبين المعطيات أن الفساد يستشري عند خطوط التماس بين القطاعين الحكومي والخاص، فكلما كان لدى مسؤول عام سلطة توزيع منفعة أو تكلفة ما للقطاع الخاص، تولدت حوافز الرشوة، والشركات الخاصة دائماً على استعداد للدفع مقابل الحصول على هذه المنافع. وكلما كان للحكومة دور أكبر في إنتاج السلع والخدمات وبيعها وشرائها، دون توفر آليات ملموسة للحد من الفساد وضبطه، كان أشمل وأعم.

لقد انطوت عمليات الخصخصة في الاتحاد السوفييتي السابق والعالم النامي على عمليات دفع رشا وعمولات ضخمة، ويصل الفساد مداه برشوة القضاء والشرطة للتغاضي عن نشاط مقدمي الرشوة، وعندما يكون الفساد متغلغلاً، تعمّ الرشا مقابل تيسير الخدمات اليومية للمواطنين، مثل الحصول على خط تلفون، أو استخراج جواز سفر أو رخصة قيادة سيارة وغير ذلك. فالفساد يؤدي لا إلى الظلم وقلة الكفاءة فحسب، بل يقوض أيضاً الشرعية السياسية للدولة، ويساهم في التنمية، وتوزيع المنافع بشكل غير متساو، ولن تجدي محاولات القضاء على الفساد، ما دامت هناك حكومات أتوقراطية جامدة. إن إصلاح الخدمة المدنية هو الخطوة الأولى لمكافحة الفساد، فإذا كانت أجور القطاع الحكومي أقل بكثير من معدلات الأجور في القطاعات الأخرى، فلن ينجذب للعمل فيه سوى من لم يجد عملاً إلا من خلاله، أو من لديهم استعداد لقبول الرشا، ولا شك أن الصحافة الحرة وتقليل القيود المفروضة على حرية تبادل المعلومات وقوانين القذف، وخاصة تلك التي تعطي حماية خاصة للمسؤولين العموميين، كل هذه الأمور مهمة في مواجهة الفساد.. كذلك فإن ضرورة إخضاع أعمال الحكومات للمساءلة والشفافية والمراقبة الوطنية بشكل ديمقراطي لأعمالها، ومشاركة الجماهير في الأمور العامة باعتبار أن الديمقراطية أفضل سبيل لتقليص الفساد والحد فيه. إن البلدان التي تعاني من الفساد تتنوع في أهميتها، وتتجاوز البلدان النامية، فالفساد ليس فقط مشكلة البلدان النامية، بل يمتد إلى بلدان أوربا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن التكامل العالمي المتزايد زاد من أهمية الفساد كقضية دولية، فمع التعولم الاقتصادي، فإن الآثار المحتملة للفساد على التدفقات الدولية لرؤوس الأموال تتزايد هي الأخرى.. كل ذلك يزيد من صعوبة القضية، ويفرض ضرورة التعاون الدولي لمواجهة الفساد. وفي النهاية، لا توجد سبل علاج سريعة أو بسيطة للفساد، لكن المساءلة السياسية والديمقراطية، وزيادة الشفافية، هي العناصر الأساسية التي تقلل فرص الفساد بصورة عامة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024