ماذا بعد أن وضعت الانتخابات أوزارها!؟

رمضان إبراهيم:

راهن كثيرون في الداخل والخارج على نجاح العملية الانتخابية لموقع رئاسة الجمهورية في سورية، بعد سنوات عجاف كادت أن تلتهم الأخضر واليابس، لولا تضحيات الجيش ووقوف الحلفاء إلى جانب الدولة السورية.

وأعتقد أننا لا نذيع سراً عندما نقول إن المطلوب كبير وكثير جداً، ولكن يبقى الملف الاقتصادي هو ما يمثل جل اهتمام السوريين بعد هذه الانتخابات، بما يتضمن من ضغوط وعقوبات اقتصادية شديدة خصوصاً الأمريكية والأوربية،  وبما خلفته سنوات الحرب كما ذكرنا من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة النقص في الإنتاج الصناعي والزراعي، وما نتج عن ذلك من تدنٍّ كبير في سعر صرف الليرة السورية، وبالطبع كان للفساد بكل أشكاله حصة كبيرة في إنهاك الخزينة العامة وتردي الإيرادات العامة للدولة سواء في هدر المال العام أو استباحته. وهنا يخطر لنا السؤال التالي:

ماذا نريد كسوريين بعد أن وضعت الانتخابات الرئاسية أوزارها!؟

لعل القدرة الشرائية للفرد السوري ستحتل رأس الأولويات المطلوبة، لأنها الأساس في تحريك عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي والمساهمة في تطوره، إضافة إلى أن اجتذاب رؤوس الأموال الخارجية مرهون بشكل كبير بالقدرة الشرائية للفرد في السوق الداخلية. من هنا نجد أنه لا بد من اتباع سياسات اقتصادية ومالية ونقدية، تهدف لترميم القدرة الشرائية للمواطنين تدريجيا، أهمها العودة إلى السياسات الحمائية لحماية المنتج المحلي ولو لفترة معينة، لتمكينه من المنافسة، فإذا كان المنتج المحلي سيتعرض للمنافسة مع منتجات الأسواق الآسيوية وغيرها، فإنه سينهار حتماً، وسنعيد مرة أخرى إغلاق المعامل الصغيرة والورش، إضافة إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية مع الدول الأخرى وخصوصاً مع الدول العربية، إضافة إلى محاولة استمرار الاستقرار في سعر الصرف.

في سياق الإصلاح الاقتصادي ، صدر في دمشق في الأيام الماضية، القانون 18 لتشجيع الاستثمار بكل أنواعه الصناعي والزراعي والسياحي، تضمن قانون الاستثمار الجديد قدراً عالياً وغير مسبوق من المزايا والإعفاءات الضريبية والجمركية لخطوط الإنتاج والآلات، والجديد في هذا القانون هو إنشاء مركز التحكيم المستقل في اتحاد غرفة التجارة. وخطوة إصلاحية أخرى تمثلت في إنجاز لمسودة النهائية لمشروع الصك التشريعي الخاص بالشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة، تمهيداً لمناقشتها في مجلس الوزراء، وهذه المسودة قامت بتفصيل عملية تحويل الشركات العامة المملوكة للدولة إلى شركات مساهمة، وخضوعها بالتالي لقانون الشركات رقم 29 لعام 2011، حسب ما جاء في المادة 216، التي نصت على ما يلي:

تحويل الشكل القانوني لشركات القطاع العام إلى شركات مساهمة مغفلة عامة:

يجوز للمؤسسات والشركات الاقتصادية العامة أن تحول شكلها القانوني إلى شركة مساهمة مغفلة عامة، وذلك باتباع الإجراءات التالية:

1- أن تحصل على موافقة مجلس الوزراء والجهة التابعة لها، ويصدر قرار عن مجلس الوزراء بتحويلها بناء على اقتراح الوزير المختص تحدد فيه الضوابط التي تخضع لها الشركة بعد التحول، وتتولى الحكومة اتخاذ الإجراءات القانونية لتنفيذ ذلك.

2- يخضع تحويل الشكل القانوني للشركات العامة (المملوكة للدولة) إلى شركات مساهمة مغفلة عامة للقواعد والأنظمة المتعلقة بهذا الخصوص.

واضح أن المادة المذكورة وضعت دون تفاصيل، ولكنها هدفت إلى إجازة موضوع تحويل الشركات العامة المملوكة للدولة إلى شركات مساهمة مع الاحتفاظ بملكية الدولة للقطاع العام، مع الإشارة إلى أن هذه الشركات العامة استعصت مشاكلها على الحل منذ بداية الألفية الثالثة.

بالعودة إلى قانون الاستثمار الجديد، صحيح أنه قانون حافل بالمزايا والإعفاءات، ويحسب له قبول مركز التحكيم التجاري الذي سيتم إنشاؤه في غرف التجارة، ولكن لا بد من ذكر عدة نقاط حتى تكون مشاريع إصلاحية حقيقية منها ما تتعلق بتحديد هوية الاقتصاد السوري، فدون هوية واضحة للاقتصاد لا يمكن حسم الجدل بشأن كثير من القضايا، إضافة إلى خلق القضاء التجاري المستقل، والذي يقوم بالبت في المنازعات بالسرعة اللازمة بحيث يعزز ثقة المستثمرين بأن القضاء سينصفهم وسيبت بالقضايا التي ترفع له والأحكام التي تصدر عنه واجبة التنفيذ.

وأخيراً يجب أن تكون المشاريع وفق قانون الاستثمار أو قانون التشاركية، بعيدة عن قانون الاستملاك على الأقل لمدة محددة، قد تكون خمساً وعشرين سنة أو أكثر.

وهنا لابد من الإشارة إلى الكوادر البشرية، فقد ذكر قانون هيئة الاستثمار، أن كوادر الهيئة يعملون وفق قانون العاملين الموحد في الدولة، الحقيقة التي يعلمها جميع من عملوا في حقل الاستثمار، أن قانون العاملين الموحد والرواتب الحالية، لا تصلح لمهمة شاقة نعلق عليها آمالاً كبيرة، ولا تؤدي إلى أي نجاح.

أخيراً

إذا كانت الحرب قد أثرت سلبياً على كل مكونات القضايا التنموية والاقتصادية وجعلت الوضع محبطاً وثقيلاً، فهذا لا يعني أبداً أن الناس ليس من حقهم أن يحلموا بغد أفضل مفعم بالأمل والرفاهية والازدهار في سائر الجوانب.

 

العدد 1104 - 24/4/2024