الدوافع والحاجات الإنسانية

ريم داود نخلة:

على مرّ الزمان كانت احتياجات الإنسان وما تزال مسألة مفتوحة للفكر والحوار. فهي عماد المجتمعات وسلامتها وسعادتها ومما لا شك فيه أن تلبية احتياجات الفرد سمة من سمات المجتمعات الناجحة، فالإنسان بطبيعته الفطرية لا يكف عن البحث عما يلبي حاجته، وكلما حصل على شيء طلب المزيد والجديد.

درس علماء النفس الاحتياجات والدوافع الإنسانية، وأقاموا علاقات وثيقة بين تلبية هذه الحاجات وسلامة الصحة النفسية لدى الإنسان، فنرى العالم الأمريكي إبراهام ماسلو يوضح هذه الحاجات ويصنفها ضمن هرم مؤلف من خمسة مستويات، ولكي يرتقي الإنسان من مستوى معين إلى مستوى أعلى منه يجب عليه أولاً أن يشبع جميع احتياجاته في ذلك المستوى قبل الانتقال إلى غيره.

 

هرم الحاجات والدوافع عند ماسلو:

يقسم هذا الهرم إلى خمسة مستويات، يضع ماسلو في مستواها الأول الحاجات الفسيولوجية التي تعتمد على الغريزة والفطرة، بينما يضع في مستواه الثاني الحاجة إلى الأمان والأمن.

أما مستواه الثالث فقد اختص بالحاجات الاجتماعية، كتكوين الصداقات، علاقات الحب، تأسيس الأسرة، فالإنسان كائن اجتماعي يسعى دوماً إلى الانتماء والابتعاد عن الوحدة، ويلبي الأشخاص هذه الحاجة بأشكال مختلفة، فمنهم من يلجأ إلى تأسيس الأسرة والإنجاب، وآخرون يلبونها من خلال النشاطات المجتمعية، في حين يحققها البعض من خلال الصداقات. والجدير بالذكر أن هذه الحاجة لا يمكن أن تتحقق ما لم تشبع الحاجة إلى الأمان بالشكل الكافي والأمثل.

فإذا ما حللنا واقعنا والأحوال الاجتماعية المتردية التي حلت بنا نجد أن هناك علاقة وثيقة بينها وبين عدم إشباع الحاجة إلى الأمان، أي إننا اليوم نعاني من فئة كبيرة من الشبان والشابات غير القادرين على تخطي الحاجات الاجتماعية أو حتى الوصول إلى مستواها نتيجة عدم إشباع الحاجة إلى الأمان والاستقرار والطمأنينة.

في المستوى الرابع من الهرم نجد ماسلو يتحدث عن الحاجة إلى التقدير، فلا بد للإنسان من أن يشعر بتقدير لذاته وأهميتها لينعكس ذلك على المجتمع، فالفرد يسعى أولاً للحصول على تقدير الذات (النجاح، الشهرة، الذكر أو السمعة الطيبة) ويشير مفهوم تقدير الذات من الناحية النفسية إلى السمة أو الصفة الشخصية التي يمتلكها الفرد والتي ترتبط باحترام لذاته.

 

كيفية تحقيق تقدير الذات؟

سؤال يراود أذهاننا بشكل دائم، فالشعور بالقيمة الذاتية هو أحد المقومات التي تشير إلى الهوية الشخصية، وتعتبر العلاقات الأسرية والعائلية أساساً لتحقيق هذا الجانب، فالأسرة تلعب دوراً رئيسياً في تطوير ثقة الفرد بنفسه وتعزيزها، كما تساعده على تحديد أهدافه، لذا لابد أن تبنى هذه العلاقة على أساس الحب والتعاطف والتفاهم المتبادل، وقد بيّن علم النفس أن هناك علاقة وثيقة بين قلة التقدير للذات والبحث عن المودة والحب بشكل مفرط، والمؤسف في الأمر أننا نعاني حالات كبيرة من ضعف التقدير لدى الأطفال والشبان، مما يدفعهم بالضرورة إلى الخوف والفشل، وذلك نتيجة جهلهم بقدراتهم وإمكانياتهم مما يحول من انتقالهم للمستوى التالي وهو الحاجات العليا، أو الحاجة إلى تحقيق  الذات.

أما في رأس الهرم أو المستوى الخامس فقد وضع ماسلو الحاجة إلى تحقيق الذات، أو كما أسماها الحاجات العليا، وهي أسمى الحاجات وأكثرها شأناً، وميزة هذه الحاجة أنها فردية تختلف من شخص إلى آخر حسب قدراته التكفيرية والابداعية، ولكي يستطيع الإنسان الوصول إلى الحاجات العليا عليه اتباع مجموعة من الخطوات:

_معرفة النفس: بأن يتعمق الإنسان في ذاته وخفاياها.

_تحديد الأهداف: أن يضع الانسان خطة لذاته ويحدد أهدافه مهما كانت صغيرة.

_التعلم من الخبرات: سواء كانت سلبية أم إيجابية فهي تساهم بشكل كبير في تحقيق الإنسان لذاته.

وبعد هذا الشرح قد يرتاد البعض منا السؤال التالي: ما الفرق بين تقدير الذات وتحقيق الذات؟

تقدير الذات هو انعكاس تقييم الشخص لنفسه وقيمتها بالنسبة له، أما تحقيق الذات فهو تحقيق إمكانات الفرد ومواهبه وقدراته.

ما الذي يمكن أن نتعلمه من هرم الدوافع الاحتياجات؟

خلاصة القول إن هذا الترتيب والتصنيف الذي جاء به هذا العالم له تأثير مفيد على الحياة الشخصية، إذ يمكّن الإنسان من معرفة نقاط الضعف والقوة لديه، ومعرفة ما ينقصه والعمل على تطويره، الأمر الذي يدفعه ليكون إنساناً فاعلاً في المجتمع مبدعاً مبتكراً يسعى إلى التطوير والارتقاء بنفسه وبمجتمعه. لذا وجب على الحكومات أن تسعى إلى تحقيق الحاجات الأولية أي (الفيزيولوجية والحاجة إلى الأمان) دون أي تكليف أو تعقيد كي يتمكن الانسان من الارتقاء بأهدافه والعمل على تحقيق الحاجات الأسمى منها، عوضاً عن بقائه مشغولاً غارقاً في القاع يبحث عن وسيلة لتأمين المأكل والمشرب، وطريقة يحمي بها نفسه.

العدد 1104 - 24/4/2024