الأمن والأمان وإنهاض المجتمع

ريم داود نخلة:

حياتنا ليست إلا ألواناً من السلوك تهدف إلى تحقيق حاجات الإنسان، حيث تحيا النفس البشرية وتنميو ضمن سلوكات ودوافع كثيرة، فليس هناك سلوك إلا وخلفه دافع ما، كما انه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمليات العقلية كالانتباه، والإدراك، والتذكر، والتخيل، والتعلم.

 

السلوك والدوافع

تعمل الدوافع بطريقة مباشرة على تكوين الشخصية الإنسانية، فإذا ما أحبطت دوافع الفرد حالت بينه وبين التعبير عن ذاته، مما يؤدي إلى اهتزاز الصحة النفسية لديه. ويعرّف الدافع على أنه حالة من التوتر النفسي والفسيولوجي قد يكون شعورياً أو لا شعورياً يدفع بالفرد إلى القيام بأعمال ونشاطات وسلوكات لإشباع حاجاته والتخفيف من التوتر الحاصل وإعادة الاستقرار والتوازن للنفس والسلوك.

وقد قسم الباحثون الدوافع إلى فيزيولوجية ونفسية اجتماعية، فنجد الفيزيولوجية متمثلة بالغريزة والفطرة كالجوع والعطش والجنس وغيرها من الدوافع الفطرية الغريزية التي تتصل بصورة مباشرة ببقاء الفرد والحفاظ على نوعه، أما النفسية منها فتتمثل في الحاجة إلى التقدير وتحقيق الذات، والحاجة إلى الأمن والطمأنينة، إضافة إلى الحاجات الاجتماعية.

لقد بحث (ماسلو) في الحاجات والدوافع الإنسانية بشكل منفصل ومبسط بين من خلاله أن فهم السلوك الإنساني يتطلب معرفة الدوافع الأساسية له، وأن لكل إنسان دوافع تختلف باختلاف حاجاته، فإذا ما أردنا الخوض في خضم حاجاتنا الملحة التي تتأرجح بين الأساسية والثانوية لا يسعنا سوى الحديث عن الحاجة إلى الأمن والأمان والطمأنينة، التي يعتمد تحقيقها على مقدار الإشباع المحقق في الحاجات الفيزيولوجية، فالإنسان يسعى جاهداً لتحقيق الأمن والطمأنينة له ولأولاده في أي مكان كان في العمل، المنزل، أو حتى في الشارع، وغياب هذا الشعور يؤدي به إلى الانشغال فكرياً ونفسياً، ويعرف الأمن اصطلاحاً على أنه الطمأنينة وراحة القلب، أي هو الشعور المضاد للخوف والقلق، لقد اهتمت البشرية منذ الأزل وسعت إلى تحقيق الأمن وجعلته شغلها الشاغل، وهدفها الأول، وسبباً لتطور الحياة الإنسانية، وسبيلاً للبقاء والوجود. فحسب هرم ماسلو الذي صنف فيه الحاجات والدوافع الإنسانية نجده يؤكد الحاجة إلى الأمن والأمان مباشرة بعد الحاجات الفيزيولوجية.

 

الأمن والأمان وتطوير المجتمعات

يوفر الأمن للإنسان شعوراً بالراحة على نفسه ورزقه ومعيشته داخل المجتمع الذي يقيم فيه، فيطلق  مهارات الإنسان ويوظف ملكاته في تحقيق وظيفته في النهوض وإعمار المجتمع، كما أنه يعتبر إحدى الركائز الأساسية في نجاح العملية التنموية التي تساعد على الارتقاء والازدهار بالبلد، ففي غياب هذا الدافع أو العامل المهم لن يتمكن الأفراد من الحياة بشكل طبيعي، كما أن اختلال هذه الحاجة يؤدي بالضرورة إلى أعمال العنف والشغب، ما سيؤثر على المشروعات التنموية للدولة وما ينتج عنة من إيقاف لكل النشاطات كالسياحة، والاستيراد، والتصدير، والاستثمارات الكبيرة داخل المجتمع، مما يعود على الأفراد بخسارات جمة على الصعيد الفردي والجماعي.

ويتمثل الأمان في توفير الحقوق الخاصة بالأفراد والمواطنين على جميع الأصعدة والمجالات اجتماعية كانت أم اقتصادية سياسية أم غير ذلك، فالحاجة للأمان تعتبر أحد المقومات بل وأهمها للحياة الإنسانية، وتتجلى أهميتها كما صنفها علم النفس في السلامة الجسدية من العنف والاعتداء والأمن المعنوي والنفسي، الأمن الصحي، أمن الممتلكات الشخصية ضد أي تعدٍّ كان.

لكن الأهم من ذلك أن هذه الحاجة تظهر بعد إشباع الفرد لحاجاته الفيزيولوجية كما ذُكر سابقاً، فإذا حصل خلل في إشباع الحاجات الفيزيولوجية فقد يلجأ الإنسان إلى أساليب وسلوكيات غير معتدلة مما يؤدي بالضرورة إلى اختلال في لاحقتها وهي الحاجة للأمان، نحيا اليوم وبعد مضي أعوام من الخوف والقلق والرعب الذي غزا قلوبنا وكسا أجسادنا، أعوام غاب عنها الأمان واختل فيها الاستقرار، نبحث عن الطمأنينة والراحة في ظل أوضاع مأساوية انتهكت فيها أبسط حقوق الفرد ألا وهي حقة في العيش الكريم والحياة بأمان وسلام، حقه في المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن الذي أصبح اليوم حلماً وسط هذا الوضع المعيشي المتردي، لذا لابد لنا من إدراك أهمية هذه الحاجة والعمل على توفيرها وإتاحة الفرصة أمام الأفراد لإنجاز العديد من الأعمال والمهن دون الشعور بالخوف أو القلق من أي جهة كانت، تأمين الدعم الكامل للمواطنين في الداخل لكي يتمكنوا من النهوض بعجلة الاقتصاد ودفعها خطوات للأمام، أيضاً لن ننسى أهمية العمل على توفير الأمان والدعم للأفراد في الخارج بهدف تعزيز دورهم في إنهاض المجتمع، إضافة إلى توفير القاعدة الضرورية لإنهاض الاقتصاد الوطني، وتوفير الضمانات للاستثمارات والمشروعات الاقتصادية والسياحية، التي تحتاج إلى الأمن والأمان والاستقرار لممارسة تأثيرها في تطوير مجتمعنا.

العدد 1104 - 24/4/2024