أثر المشروعات الصغيرة على التنمية الاقتصادية  

 سليمان أمين:

تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة أحد القطاعات الاقتصادية الهامة جداً بالنسبة لدول العالم كافة والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، في ظل التغيرات والتحولات الاقتصادية العالمية، وذلك بسبب دورها المحوري في تحسين الإنتاجية وتوليد وزيادة الدخل، وتوظيف العمالة بمختلف مؤهلاتها، والابتكار والتقدم التكنولوجي.

تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة العصب الرئيسي لاقتصاد أي دولة سواء متقدمة أو نامية، وذلك لتميزها بعدد من الخصائص التي يمكن أن نلخصها بالتالي:

  • صاحب المشروع هو المدير وبإمكانه أن يتولى العمليات الفنية والإدارية للمشروع.
  • انخفاض الحجم المطلق لرأس المال اللازم لإنشاء المشروعات الصغيرة، إذ تعتمد بشكل كبير على مدخرات أصحابها، مما يساهم في الارتقاء بمستويات الادخار والاستثمار على اعتبار أنها مصدر جيد للادخارات الخاصة.
  • الاعتماد على الموارد المحلية الأولية مما يساعد على خفض التكلفة الانتاجية للمشروع.
  • تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة مكملة لاحتياجات المشروعات الكبرى مما يساهم في تكامل العملية الانتاجية.
  • تعتبر هذه المشروعات من المجالات الخصبة لتطوير الإبداعات والأفكار الجادة.
  • القدرة على الانتشار الجغرافي في أنحاء الدولة، مما يساعد أيضاً على تخفيف الهجرة من الريف إلى المدن.
  • انخفاض الأجور في المشروعات الصغيرة وعدم التأثر بالعوامل المؤسساتية التي تؤدي إلى ارتفاع الأجور في المشروعات الكبيرة.
  • تتسم المشروعات الصغيرة بأنها بمثابة مراكز تدريب للعمالة، ومن ثم إمداد المشروعات الكبيرة بالعمالة الماهرة.

دور المشروعات الصغيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية:

من المتعارف عليه أن للمشروعات الصغيرة والمتوسطة دوراً كبيراً في التنمية الاقتصادية بوجه عام وفي التنمية الصناعية على وجه الخصوص، فهي تمثل العمود الفقري بالنسبة للقطاع الخاص، وتُشَكِّلُ ما يزيد على ما نسبته 75-80% من إجمالي المشروعات في العالم. وفي الدول الأقل نموّاً، تزداد أهمية دور تلك المشروعات على اعتبار أنها تمثل الغالبية العظمى من المشروعات الإنتاجية، فضلاً عن ملاءمة خصائص تلك المشروعات لطبيعة المجتمع السوري وظروفه الاقتصادية.

تتركز معظم المشروعات الصغيرة في إطار القطاع الزراعي والصناعات التقليدية والحرفية، فأغلب سكان المناطق الريفية يعملون في الزراعة، وتشمل أيضاً تجار الجملة وتجار التجزئة. كما توفر الشركات الصغيرة والمتوسطة مجموعة من الخدمات، مثل النقل والخدمات اللوجستية، حيث يقوم ملاك تلك المشروعات بمعالجة المنتجات الغذائية وتعبئتها ونقلها وبيعها للمستهلكين في المدن والمناطق الأخرى، يضاف إلى ذلك بعض المشروعات الصغيرة في مجال الأنشطة الحرفية واليدوية، والصناعات التحويلية البسيطة. وتلعب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر دوراً رئيسياً في التنمية الاقتصادية في سورية من خلال العديد من الجوانب تتمثل فيما يلي:

  • إتاحة فرص للتشغيل والقضاء على البطالة والفقر، فللمؤسسات الصغيرة دور كبير في توفير فرص عمل جديدة والحد من البطالة خاصة، نظراً لكونها مشروعات كثيفة العمالة في الأساس وليست كثيفة رأس المال، فضلاً عن تنوعها بما يتيح الفرصة للعمالة الماهرة وغير الماهرة، حيث تخلق هذه المشروعات الصغيرة حوالي 75٪ من فرص العمل.
  • الانتشار الجغرافي وخدمة احتياجات قطاعات عريضة من المستهلكين، إذ تقوم هذه المشروعات بتلبية احتياجات الأسواق من السلع والخدمات المتخصّصة التي ترتبط بأذواق المستهلكين وتفضيلاتهم بدرجة أكبر من المنشآت الكبيرة، نظراً للاتصال الشخصي المباشر بين أصحابها والعملاء، فضلاً عن إنتاجها سلعاً مناسبة من حيث الأسعار لفئات المجتمع المختلفة مقارنة بأسعار منتجات الشركات الكبرى.
  • التجديد والابتكار، فالتطوير يعتمد على الإبداع، ليس فقط بتطوير منتج أو خدمة جديدة للأسواق، ولكن أيضاً الاهتمام بالاستثمار المتزامن في تأمين مشروعات جديدة. لذلك تعتبر المشروعات الصغيرة مصدراً من مصادر التجديد والابتكار والمخاطرة أكثر من المؤسسات الكبيرة، فالمشروعات الريادية قادرة عل سد الفجوة بين المعرفة وحاجات السوق، وهي النقطة المعيارية في عملية تطوير المنتج لتزويد المجتمع بمنتجات جديدة.
  • التكامل مع المشروعات الكبيرة وترابط الأعمال التجارية حيث تلعب دوراً هاماً في دعم المنشآت الكبيرة من خلال توزيع منتجاتها وإمدادها بمستلزمات الإنتاج، ومن خلال تصنيع بعض مكوناتها وإجراء العمليات الإنتاجية التي يكون من غير المجزي اقتصادياً تنفيذها بواسطة المشروع الكبير.
  • المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي: تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي واستدامة هذا النمو على المدى الطويل.

 

تحديات المشروعات الصغيرة في سورية اليوم

صعوبة الحصول على التمويل: يعتبر من بين أبرز المشكلات التي تواجه المشروعات الصغيرة الأمر الذي يعوق نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في سورية، وذلك يتطلب توفير قدر كافٍ من رأس المال.

غياب مصادر الطاقة وخاصة الكهرباء: تعاني سورية منذ سنوات من مشكلات كبيرة في قطاع الطاقة ونقص إمدادات الكهرباء، وعدم توفر المحروقات وارتفاع أسعارها، وهذا أدى إلى ضعف عمل المشروعات بكامل طاقتها، وأثر على إنتاجيتها ودرجة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي والذي نحن بأمسّ الحاجة إليه اليوم.

سوء إدارة المشروعات: تفتقر معظم المشروعات الصغيرة إلى التخطيط الاستراتيجي الجيد الذي من شأنه النهوض بتلك المشروعات، فضلًا عن نقص شبكات المعرفة وضعف الوصول إلى الأسواق، وعدم كفاية التعليم والتدريب.

الفساد المالي والإداري: وهو أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المشروعات الصغيرة، فمعدلات الفساد المالي والإداري ترتفع، ولذلك يجد أصحاب المشروعات الصغيرة صعوبة في الحصول على أي خدمة، الأمر الذي يدفعهم إلى إنفاق مبالغ إضافية في شكل رشا وإكراميات لإنهاء خدماتهم بشكل أسرع، مما يزيد من التكاليف المقررة للمشروع ويخفض من أرباحهم.

ضعف الدعم الحكومي: يظل دور الحكومة في تيسير ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة حاسم الأهمية في جميع أنحاء العالم، فهي التي تخلق البيئة المناسبة أو غير المرغوب فيها لنمو الأعمال، وعندما تهمش الحكومة  قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن تلك القطاعات تكون أكثر عرضة للمعاناة والضعف، مما يؤدي إلى عجز بعضها عن الاستمرار والبقاء، إن الحكومة التي لا تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تؤذي القطاع الانتاجي فحسب، بل إنها تؤذي مستوى التنمية الاقتصادية فيها بشكل كامل، فعلى الحكومة أن توفر البيئة المناسبة لعمل المشروعات الصغيرة سواء من حيث: الأجور، والضرائب، والتراخيص، والفرص الاستثمارية، والدعم التكنولوجي، والبنية التحتية، مما يمهد الطريق نحو النجاح اعتماداً على الأطر التنظيمية التي وضعتها الحكومة، وعلى العكس يؤدي النظام الضريبي غير المواتي، والمنافسة غير العادلة والقواعد واللوائح المعقدة والبيئة العقابية، إلى إعاقة عمل ونمو الشركات الصغيرة والمتوسطة.

ختاماً: على الحكومة تهيئة بيئة مواتية للشركات الصغيرة والمتوسطة لتزدهر وتنمو وتسهم بشكل أكبر في الاقتصاد، وخاصة فيما يتعلق بتوفير أدوات التسويق، والإجراءات المتعلقة بالتسجيل والتراخيص وممارسة الأعمال، ورعاية الابتكار والعمل على تكافؤ الفرص دون تمييز.

العدد 1104 - 24/4/2024