لا لطقوس احتفالية في الأول من أيار!
د. أحمد ديركي:
تكثر الاحتفالات والأعياد لدى شعوب العالم، ولكل شعب من هذه الشعوب أعياده الخاصة. ولكل عيد من الأعياد طقوسه المتبعة ولكنها كقوس تتغير قليلاً مع مرور الوقت فتتداخل مع مستجدات بمرور الوقت.
فالأعياد بعامة تختص بيوم من أيام السنة أي يحتفل بها في يوم محدد من أيام السنة، لتعبّر عن فكرة ما تحققت في هذا الوقت بعينه. فعلى سبيل المثال لا الحصر عيد الفطر يكون عند نهاية شهر الصوم لدى متبعي الدين الإسلامي ليعبر عن نهاية شهر من التعبّد والصوم للمعبود، وعيد الميلاد يكون في يوم محدد قبل نهاية العام الميلاد ليعبر عن قيامة المسيح لدى متبعي الديانة المسيحية.. وغيرها وغيرها من الأعياد الدينية وغير الدينية، فكلّها تأتي لتعبّر عن تحقيق فكرة ما.
كما يوجد أعياد خارج أطر الأفكار الدينية وطقوسها، ويمكن القول إن معظم شعوب العالم تحتفل بها أيضاً بغض النظر عن مدى التزام هذه الشعوب بمعتقداتها الدينية، مثل عيد الأم، وهو عيد أصبح شبه عالمي، ولكن هذا لا يعني أن كل الأعياد شبه العالمية، أو حتى العالمية، مقبولة من الجميع. فعلى سبيل المثال ما يعرف بـ(عيد العشاق)، أو (عيد فالانتين)، ما زال غير مقبول في كثير من الدول.
إذاً، يمكن وصف العيد بأنه طقس احتفالي اجتماعي تقوم به الجماعة المعتقدة به تعبيراً عن فكرة تم إنجازها في يوم محدّد من أيام السنة. مع تكرار الحدث يتحول (العيد) إلى مجرد طقوس شعائرية تفقد جوهرها الفكري التي على أساسها سميت بـ(العيد)، فيتحول العيد بهذا إلى مجرد حدث احتفالي بهذا اليوم المحدد من دون إضافة أي إنجاز إضافي إلى ما أُنجِز! أي يصبح العيد مجرد (احتفال)، وفي معظم الأحيان (احتفال) ترفيهي فارغ المضمون إلا المضمون الترفيهي.
وما أكثر الأعياد التي أصبحت فارغة المضمون وتحولت إلى أعياد ترفيهية! وأخطرها تحول عيد العمال إلى هذه الحالة. فعيد العمال، عيد الطبقة العاملة، لم يكن يوماً مجرد خطب رنانة شعبوية، بل عيد تحتفل به الطبقة العاملة في كل بقاع العالم تجسيداً لما أنجزته الطبقة العاملة واستكمالاً لطريق نضالها. إنه عيد أممي بكل ما في الكلمة من معنى. عيد يحتفل به كل عمال العالم يحتفلون بما أُنجِز ليس في بلد واحد بل وفي أكثر من بلد. فعلى سبيل المثال قانون العمل لم تمنحه الطبقة البرجوازية للطبقة العاملة، بل دفعت الطبقة العاملة دماً من أجله. العمل 8 ساعات كذلك دفع العمال دماً لتحقيقه، وحق الانتخاب لم تمنحة الطبقة البرجوازية للعمال إلا بعد أن دفع العمال دماً لتحقيق هذا الحق السياسي و… ما يشير إلى أن نضال الطبقة العاملة لا ينحصر في بلد واحد ذات حدود جغرافية – سياسية بل نضال في أي مكان توجد فيه طبقة عاملة. وبهذا عيد العمال تعبير عن نضال دائم ومستمر للطبقة العاملة إلى أن تحقق هدفها المتمثل بتحررها من قيود الاستغلال وإقامة دكتاتورية البروليتاريا، نعم، دكتاتورية البروليتاريا، كخطوة أولى تجاه بناء مجتمع لا طبقي في كل أنحاء العالم.
لكنه للأسف في ظل ما هو قائم يبدو أن عيد العمال تحول في بقع كثيرة من العالم إلى مجرد عيد ترفيهي من دون إضافة أي إنجاز جديد حققته الطبقة العاملة عن العيد الذي سبق. فما الذي حل بالنضال الطبقي؟
موضوع شائك، لكن يمكن الاشارة إليه. لقد خفتَ وهج ضوء نضال الطبقة العاملة. لا يعود هذا إلى أن الطبقة العاملة تخلت عن نضالها ضد مستغليها، بل لأن الأحزاب العمالية، وبخاصة الشيوعية، وهي الأحزاب الطليعية، تقاعست عن نضالها الثوري لأسباب متعددة من التدجين السياسي وصولاً إلى التخلي عن دورها في النضال ضد الطبقة البرجوازية والسلطة السياسية. إضافة إلى هذا فإن النقابات العمالية تخلت عن النضال في سبيل تحقيق المصالح العمالية، فهي – أي النقابات – تحولت إلى نقابات مدجنة خاضعة لقرارات سلطوية.
تخلي الأحزاب العمالية والنقابات العمالية عن الطبقة العاملة أوقع الطبقة العاملة في براثن الطبقة البرجوازية من دون وجود من يدافع عنها قولاً وعملاً، ففقدت الطبقة العاملة ثقتها بمن يدعي النضال باسمها ومن يدعي العمل لمصلحة الطبقة العاملة. فكانت الفرصة مواتية للطبقة البرجوازية وحليفتها السلطة السياسية لتكريس الوعي المشوه لدى الطبقة العاملة وخلق المنظمات اللاحكومية لتظهر وكأنها ذاك الملاك الآتي من السماء لإنقاذ البشر من براثن البؤس والاستغلال.
في ظل هذا تحول عيد العمال عند معظم الأحزاب والنقابات العمالية إلى عيد احتفالي ترفيهي بخطب رنانة وبيانات طنانة ومسيرات خجولة ليعود من بعدها كل إلى منزله مكتفياً بالاحتفالية وبعض التصفيق وتعود الطبقة العاملة إلى قيود استغلالها لتفترسها براثن البرجوازية لمدة عام إضافي إلى ان يحين موعد عيد العمال في السنة القادمة وتعاد الكرة من جديد.
مهلاً! التاريخ لا يعيد نفسه وإن أعاده تكون الإعادة على شكل مهزلة، كما أن التاريخ لا يسير بشكل دائري. لنتذكر أن الطبقة العاملة عندما وعت واقعها هزّت نضالاتها عروش ظنت أنها مخلدة. فمن يظن أن التاريخ يسير بشكل دائري كـ(الربيع) فهو مخطىء! إن (حفاري قبر) البرجوازية وحلفائها وإن خفَتَ نضالهم حالياً لظروف متعددة فلا يعني هذا أنهم تخلوا عن نضالهم الطبقي وحقهم في كسر أغلال استغلالهم واقامة دكتاتورية البروليتاريا، وهي الديمقراطية الفعلية لا ديمقراطية نمط الإنتاج الرأسمالي الزائفة. فعيد العمال ليس مجرد طقس احتفالي بل صيرورة نضالية ضد المستغِلين (بكسر الغين).