نحو أمل مفقود

ريم داوود نخلة:

يمتلك الإنسان طاقات عديدة وميزات متنوعة تتناغم جميعها لتكون شخصية متكاملة متزنة متفردة في ذاتها مختلفة عن غيرها من الشخصيات، وسمات هذه الشخصية هي الطموح، والأهداف، والأحلام. يسعى الإنسان من خلالها إلى تحقيق ما يرغب به ويتمناه منذ لحظاته إدراكه الأولى جاهداً للتحليق نحو النجوم إن استطاع، فجميعنا نمتلك أحلاماً لا حدود لها لكن الأيام تصقلها.

يشب الأبناء مفعمين بالأحلام، محمّلين بطاقات لا حدود لها راغبين في نيل كل ما يطمحون له من مغريات الحياة، حاملين بين كفي يديهم الأمل بمستقبل واعد، ذاك الأمل الذي يبعث في نفوسهم الحافز لتغيير مسيرة حياتهم نحو الأفضل.

أمل بالتعليم وارتياد أكبر الجامعات، أمل بالعمل والإنتاج، أمل بالزواج والإنجاب، أمل بتكوين أسرة وتربية الأبناء، ولكل إنسان ما شاء من الأحلام والآمال، ويربط الكثيرون مستقبلهم بالأحلام والطموحات والإنجازات التي تشغل بالهم، فيعلقون آمالهم على ما هو قادم ليبنوا من خلاله حياتهم. يحلم البعض بالزواج، بينما يحلم آخرون بالدراسات العليا، ونجد غيرهم يبحرون بأحلامهم نحو تقلد مناصب مرموقة، ومنهم من يحلم بالسفر والسياحة ليجوب العالم، ولكل منا أحلامه.

سنوات من الحرب والصراعات الدولية فرضت جبروتها على مجتمعنا ناهبة خيراته سالبة ثرواته مانعة إياه من التحرر والتطور، حاجبة عنه نور الشمس. سنوات من الخوف والترقب حرمت أبناءه تنفس الصعداء وزرعت في نفوسهم اليأس والخيبة، فعلى الرغم من أننا بلد غني بثرواته لكننا نعاني فقراً فاق الوصف نتيجة ما فُرض علينا من حصار خانق وضغوط دولية مجحفة، فضلاً عن تدهور الحالة الاقتصادية التي أودت بالكثيرين إلى ما دون خط الفقر.

لقد أصبح الحصول على عمل يضمن الحياة الكريمة حلماً لكل شاب، بل هاجساً يحيا به. إن الشباب وهم في أوج اندفاعهم وحماسهم لمزاولة المهنة التي يثبتون من خلالها ذواتهم ويحققون أهدافهم يشعرون بالإحباط والياس، وذلك نتيجة محاولاتهم المتكررة والفاشلة في غالب الأحيان بالبحث عن عمل يناسب قدراتهم العلمية والعقلية والجسدية الذي يؤدي إلى فتور في الهمة لديهم وذبول في العزيمة، الشيء الذي يدفع بهم للبحث عن حلول بديلة خارج أوطانهم، فيسعى هؤلاء لبلوغ السعادة والراحة والرفاهية المفقودة لديهم.

أما إذا أردنا الحديث عن التعليم، ذاك السلاح الحصين والمضمار المتين الذي يضمن لهم خوض غمار الحياة ببسالة وشجاعة متمردين متجبرين على قسوة الواقع، فإننا سنجد مشكلة كبيرة تكمن في مخرجات التعليم ذاته، فنحن اليوم نمتلك خريجي جامعات غير مؤهلين غير قادرين على الغوص في أعماق الحياة المهنية، وكيف لهم ذلك وهم مشبعون بمنظومة تعليمية غير قادرة على تأهيلهم لاجتياز هذا الاختبار؟ من أين لهم الحصول على خبرات عملية تخولهم مزاولة الأعمال إن كانت المناهج لاتزال تعتمد أساليب تقليدية منفصلة عن الواقع الحالي؟

إننا في كل يوم ننتظر تغيّر القدر، فالقدر كالدواء له وظائف عديدة، من ضمنها تخفيف الألم، وهذا يحدث عندما يعطى القدر بجرعات محددة تبعث في النفس التفاؤل والإيجابية، لكن عندما يعطى بجرعات مضاعفة يفقد قدرته على تخفيف الألم وتتحول وظيفته إلى التخدير، ويقضي التخدير على كل الإيجابيات الكامنة للقدر.

أما إذا أردنا الحديث عن الارتباط والزواج فسوف نجد أنها أصبحت لديهم أحلام يقظة لا أكثر، وكيف لشباب فاقد الأمان والاستقرار على جميع الأصعدة المادية، المعنوية، الاجتماعية، والنفسية أن يحلق بأحلامه نحو الهدف الأسمى، ألا وهو الزواج والإنجاب؟ كيف لهم أن يكبدوا أنفسهم مسؤوليات والتزامات هم غير قادرين بعد على سد ثغراتها؟

إن التراجع في همم الشباب له أثر كبير على المجتمع، فإعداد جيل من الشباب متسلح بقيمة الهمة العالية والطموح الراقي يجعله يحقق لنفسه ولمجتمعه ما لا يمكن أن يتصور.

نحن اليوم نفقد صبغة مجتمعنا وحجر أساسه دون أن نحرك ساكناً، في حين تسعى الدول الغربية جاهدة لاستقطاب شبابنا وتوفير كل مؤهلات الحياة الكريمة الرغيدة لهم من تعليم، تمكين، تثقيف، فضلاً عن حياة إنسانية كريمة، بينما نقف نحن موقف المتفرج والمصفق، بل نساهم بدفعهم للخارج من خلال الضغط والعراقيل التي نفرضها عليهم عن قصد أو عن غير قصد. أما إذا أردنا الحفاظ على هذه الفئة وحمايتها من الخيبة واليأس والبؤس المسيطر عليها في الآونة الأخيرة، فلا بد لنا من مواجهة هذا الواقع المتردي وشحذ طاقاتهم وإشراكهم في صنع القرار من خلال التخطيط والتنفيذ، كما علينا خلق الحافز لديهم ورفع هممهم من خلال تعويد الناشئة على التفكير، وتشجيعهم على الإبداع، دون أن ننسى أهمية بث روح الطموح داخلهم لبلوغ أرقى مستويات الإتقان لديهم في المجال الذي يبدعون فيه ويرغبونه، فكما تنمو نبتة خضراء في قلب الصحراء، وكما يتسلل خيط النور من ثقوب الظلام، وكما تطل ضحكة من بين ركام الأحزان؛ نعبر هذه الحياة متخطين الألم، متجاهلين الصوت الداعي لليأس، متمسكين بحبل النور والرجاء.

وخلاصة القول: إن فشلت في تحقيق أحلامك، غيِّر أساليبك لا مبادئك، فالأشجار تغير أوراقها لا جذورها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024