لو كنت صبيّاً!
غزل حسين المصطفى:
لو كُنتُ صبياً فإني:
_سأقصُّ شعري الطَّويل هذا، الذي طالما بكيتُ في كلِّ صباحٍ مدرسي مقتاً له.
_سأشتري أشيائي باللون الأزرق والأخضر وأيّ لونٍ أحب، وأجتثُّ ذلك الوردي والأحمر من كل تفاصيل حياتي.
_سأركب الدراجة وأضحك في وسط الشارع، وأرمي بكل الدمى الخرساء المبتسمة.
_سأُشاهد المباريات وأحمل علم الفريق الرياضي الذي أفضّل.
_سأكون عالمة فيزياء، أو رائدة فضاء، أو ربما محقّقاً، لا تغريني مهنة التدريس أو كوني مؤطّرة بمهن مؤنثة تدّعي الرّقة والسهولة.
_لو كنت صبياً..
_كان سيحق لي أن اختار بطلي الأسطوري الخارق، وأن أتعلّم فنون القتال، أن أحمل علبة التصليح وأقوم بتغيير المصباح أو وصل الأسلاك …الخ، والأمنيات تطول وتطول ويتسع مداها لتشمل أدقّ التفاصيل الحياتية.
لكن مَن خلق كل هذا ورسم المسار؟!
في كلٍ مرّة نفرد الحديث عن المجتمع، البيئة، الأهل، المدرسة، ونعرّج سريعاً على الكابوس الأخطر والشبح القاتل: (وسائل الإعلام) الإلكترونية الحديثة أو الوسائل المعهودة سابقاً (مقروء، مسموع، مرئي).
يعترض الأهل على قساوة المشاهد في نشرات الأخبار، ويهبُّ البعض للهجوم على صفحات الفيسبوك التي تروي قصصاً بوليسية، وينبري بعضهم مستخدمين القوانين الإلكترونية وخاصية (الإبلاغ)!
لا أدري كيف يُبلّغون، يمتعضون ويهاجمون، وعلى المقلب الآخر للحكاية يسلّمون عقول أطفالهم بيضاء نقيّة لشاشات التلفزة تحت ذريعة (برامج وأغاني أطفال)!
والسؤال: من دقّق هذا المحتوى؟
من قرّر أنه يناسب ثقافتنا؟
من تقفّى الرسائل المدسوسة فيها؟
أليست هذه البرامج والأغاني أو لنقُل (القنوات) التي أُلبست ثوباً ملائكياً في التربية والتعليم هي من خلقت الصور الأولية في أذهان الأطفال؟!
هي من جعلت عالم الأنثى وردياً هادئاً مزهراً، يدور في فلك الأعمال المنزلية فقط، حتى الألعاب هي معدّات مطبخ وطفل ورضاعة!
هي من قالت إن الأبطال هم صبية، أشدّاء أقوياء بغاية الجمال، تُغرم بهم كل الفتيات، وحين قرّرت جعل الأنثى بطلةً كانت خرقاء مع أول نظرة إعجاب تنسى حياتها وتركض وراء حبها!
هي من قسّمت الأدوار سواء كانت الشخصيات إنسانية أو أسقطت الأفكار على مجتمع الحيوانات، فكان الحكيم ذكراً، والمارد رجلاً، أما الساحرة فهي أنثى.
هي من جعلت الصورة النمطية للفتاة (المرضية) حين تنسى شكل الشارع إلّا مع أهلها، واقتسام واجبات المنزل مع والدتها كلّ همّها، تراقب المشاهد من خلف ستارة أو نافذة.
هي وهي وهي … ليست هي المذنب والأساس في ذلك، لكنها عزّزت وكرّست رسائل قد لا تُمحى ولا تتغير من ذهن الطفل طالما تعلّق ببطله وشخصيته المفضلة!
لذلك فكرة التربية ليست بالأمر السهل، وعملية الإلهاء المستخدمة من قبل الأهل قد تكون سمّاً قاتلاً بعيد المدى.
كيف نُسمّم عقول أطفالنا؟!
كيف تقبلون بذلك؟!
بل ونذهب بكل إرادة وبكامل الوعي ونشتري مُصغّرات ودمى لتلك الشخصيات، أو تصير الأغاني أو كما تدّعي بعض القنوات (الأنشودات) هي رفيقة الدرب الدائم.
الوعي، الوعي، ثم الوعي هو طوق النجاة الوحيد من كلّ ما يحيط بنا ويتربّص بإنسانيتنا وحياتنا يا أولي الألباب!
لنتريّث قليلاً ونعي قداسة مهمة التربية والتنشئة!
لأنهم الكنز وإرث الحياة وصنّاع الغد
هم من سيحملون لواء نضالنا وأفكارنا!
فانتبهوا!