حول الشرعية

يونس صالح:

الشرعية: مفهوم سياسي محوري تتحدد به صحة وضعية نظام الحكم وقانونيته وتفسير وجوده، وهو يعني باختصار ذلك القبول الطوعي والجماعي من جموع الشعب للقوانين والتشريعات التي يضعها النظام السياسي.. وهذا لا يتحقق إلا إذا توافق العمل السياسي وتوجهات الحكم مع مصالح المواطنين.

وبهذا المفهوم تصبح العدالة هي جوهر الشرعية، ومؤشر القياس عليها، وبالتالي فإن غياب معنى عدل النظام يلغي الشرعية، ويمنح الثورة على النظام شرعية حقيقية جديدة.. ويتفق معظم المفكرين وعلماء الاجتماع والسياسة على أن كيفية وصول نظام ما إلى الحكم هو المعنى الضيق والمحدود للشرعية، لأن الأمر الجوهري في الشرعية هو الفعل السياسي، ومدى تحقيقه لمصالح المجموع وتكريس معنى العدل.

وإذا كنا نقول إن عناصر الشرعية هي ذلك القبول الطوعي من المحكوم نتيجة عدالة وفعالية نظام الحكم، فإن معنى هذا بوضوح أن الشرعية مستمدة من الأمة أو الشعب، وتصبح الجماهير بذلك هي مصدر الشرعية والسلطات.

ولذلك فإنه عندما افتقد النظام الفرنسي قبل الثورة الفرنسية لمعنى العدل، اكتسبت الثورة ضد النظام شرعية حقيقية، وسحبت الثورة من النظام- الذي كان قائماً على حق التفويض الإلهي- شرعيته، وطالبت الأمة كلها وراء مفكريها بالمطلب الشهير: فصل الدولة عن الدين، ورفض نظام الحكم القديم.

لقد أدركت جموع الشعب الفرنسي أن سحب شرعية النظام إنما تتم بسحب شرعية الإطار الفكري الذي يحتمي به.

هناك أنواع عديدة من الشرعية، أكثرها تطورها وتقدماً هو ما كان قائماً على أساس من التفاهم أو العقد الاجتماعي الذي يتجسد عادة في وثيقة سياسية قانونية دستورية، تتحدد بمقتضاها الحقوق والواجبات.. وبخلاف هذا النوع فهناك شرعية تقليدية، تستمد قوتها من تراث ثقافي أو عقائدي أو قبلي، وهناك شرعيات تستمد قوتها من أهدافها كالشرعية الثورية التي تعني حق الثورة في اتخاذ ما تراه من إجراءات لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها.

وتقوم الأحزاب بدور مهم في دعم الشرعية وتوطيدها، فمن خلال الحوار المفتوح بين الأحزاب ونظم الحكم، يتحقق نوع من المشاركة الهرمية من قمة النظام والقاعدة الشعبية- اتفاقاً واختلافاً- كما يتحقق التعبير عن مصالح واتجاهات الجموع، كي يوجه الحكم سياساته نحو تحقيقها.

ومن هنا، فإن اختفاء الحوار بين نظم الحكم وشعوبها، وافتقاد قنوات الاتصال يؤدي- في أغلب الأحيان- إلى فقدان النظم لبوصلة التوجه نحو أي السياسات توافق الجماهير.. ومدى استقرار معنى عدل السلطة في وجدان الأمة أو الشعب.. ومن هنا تنشأ أزمة شرعية النظام ويفقد مصداقيته، وسبب دواعي وجوده، ويفتح الباب لضرورة التغيير، وتحدي السلطة القائمة التي اهتزت شرعيتها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024