خطوات في الاتجاه الصحيح.. فهل تُستثمر بكامل أبعادها؟

الدكتور سنان علي ديب:

كان للتغييرات التي أجرتها الدولة على مسارين متكاملين: النقدي، والأسعار، صدى إيجابي لدى البعض، وانتظاري من الأغلبية بمراقبة النتائج المرتقبة منهما، وهما أساسيان بحكم الظروف القاسية التي وصلنا إليها في صعوبة المعيشة وصعوبة تأمين متطلباتها، في ظل فجوة كبيرة بين القدرة الشرائية لأغلب المواطنين ومستوى الأسعار، ما انعكس على حجم الأموال اللازمة لتأمين الحدود الدنيا من المعيشة وخاصة الغذائية والصحية والتعليمية وغيرها.

هذه الصعوبة نجمت عن تضخم كبير تجاوز حدود ٢٠٠٠ بالمئة ناجم عن ارتفاع سعر صرف، تكاملت قوى متعددة كثيرة للوصول إليه، وسط نقل هذا السعر الذي كان أغلبه نتيجة مضاربات خارجية وتهريب وتجفيف العملة ونقل تأثيره عبر اتجاهين، أولهما تسعير الذهب على أساسه، وثانيهما فوضى أسعار كبيرة عبر منظومة لرفعها وسط معدلات تفوق حتى سعر الصرف، الذي ارتفع خلال أسبوع بمعدل تجاوز الضعف، وسط ترقب وانتظار المصرف المركزي، وتغاضي مؤسسات منوطة بضبط الأسعار، ووسط ازدياد معدل الفقر والحاجة والفاقة.

وهذه الضغوط الإرهابية ترافقت بازدياد الخنق الاقتصادي وعرقلة توريد الحاجات الضرورية، ومنها مواد الطاقة بأنواعها، وهو ما انعكس على كل مجالات المعيشة وعمم اليأس والقنوط، وبالتالي جاء توقيت الإجراءين بوقت إسعافي إنقاذي وحاجوي، وهذا التوقيت يعطي مبررات اتخاذهما ، الأول هو تغيير نقدي ابتدأ بإقالة حاكم مصرف سورية المركزي ورفع سعر الحوالات في هذه الفترة التي هي من أكثر الفترات التي يبعث بها الأهل والأقارب بمناسبة الأعياد، وكذلك إمكانية شراء الدولار بسعر تفضيلي عبر شركتي صرافة، وكذلك تسعير الدولار بـ ٢٥٠٠ للحوالات وبـ ٢٥١٦ للتجار، هي خطوة عُدّت نوعاً من التدخل الإيجابي جذب مزيداً من العملة، وهذا الإجراء تلا ضبط الحدود وإغلاق شركات صرافة كانت تعتمد الأساليب غير القانونية لتمرير الحوالات، والتشدد بترشيد الاستيراد، كذلك بعض التغيرات السياسية والأريحية في بعض الملفات، وهو ما انعكس إيجاباً وسط تفاؤل شعبي وسلطوي بكسب الكثير من الإيجابيات، وترافق هذا مع قانون جديد لحماية المستهلك ضاعف العقوبات وزاد صلاحيات هذه الوزارة ليكون أداة رادعة لكل من يزيد الأسعار أو يلعب بالجودة أو بالوزن والمكيال، وينص على تأسيس ضابطة تموينية وفرض عقوبات على كل من يثبت تلاعبه أو تغاضيه من موظفي الوزارة، وكذلك حدد هذا المرسوم أن من وظائف الوزارة تحديد الأسعار عبر لجان شهرية أو أسبوعية مركزية للمواد الأساسية، ومحلية للمواد محلية الإنتاج، هو ما جعل الكثيرون يعيدون حساباتهم. وهذه الإجراءات قد أثرت على الأسواق والأسعار، وأعطت أفقاً، ولكن لابد من المتابعة والمراقبة، لضمان تحقيق الأهداف والغايات واعتماد الاقتصاد القياسي وتصحيح الانحرافات والتعديل كلما احتاجت الظروف. وهذان الإجراءان لم يأتيا من فراغ، ولكن نتيجة مطالب مستمرة لعيون متابعة ومراقبة، والسير بهما صحيح وحاجة، ولكنهما وانعكاسهما نتيجة تكامل مؤسساتي وسيظل هذا التكامل حاجوي ومطلبي ما دامت الضغوط والصعوبات والعقوبات الظالمة القاسية غير الشرعية واللاإنسانية قائمة، وما دام العدل والقانون الدولي مغيبين، وبالتالي في كل وقت قد نجد مستجدات وأساليب إرهابية جديدة يجب أن تكون قراراتنا وقوانيننا مرنة لاستيعابها.

من المؤكد أن الغاية من الإجراءات حول سعر الصرف هو جذب أكبر كمية من العملة الصعبة، مع معرفة أن أغلب الأموال السورية ستحرك السوق الراكدة تضخمياً في أغلب القطاعات غير الحاجوية الآنية، وبالتالي لن يضغط على المواد المحدودة وصعبة التوفير. ولاحقاً سيكون هناك تغيير بالأهداف والغايات وبالأدوات لتحقيق الغايات.

ما يهمنا هو تحسين مستوى المعيشة الذي طالما كان الهدف، وأهم الخطوات اتجاهه كانت تنزيل سعر الصرف وتخفيض الأسعار وضبطها، وهو ما كان مع الاستمرار بالأسلوب المتبع من مِنَح دورية أو تحسين المعيشة عبر تحسين المكافآت والأجور. وبانتظار ما ستعطيه الإجراءات الأخيرة على سعر الصرف والأسعار، وبالتالي تخفيض التضخم وتحسين المعيشة عبر اللعب على بند التكاليف اللازمة له عبر تخفيض الأسعار وخفض تكاليف الإنتاج.

وكذلك الاستمرار بالإدارة الرشيدة والتقشف وبرمجة البطاقة الذكية بالشكل الذي يحل مشاكل الطوابير ويخفف من الأزمات والمعاناة، ويحفظ كرامة المواطنين ومن أهمها الخبز الذي لا يعجز عن حله عبر توسيع منافذ البيع أفقياً وعمودياً.

الجميع بانتظار الاستثمار الصحيح في ظل ضغوط كبيرة وقوية من كل الاتجاهات، وصمود شعبي كبير، وهذان الإجراءان إن استثمرا بشكل صحيح سيكونان جسراً لتجاوز أهم الظروف والمراحل الصعبة التي مرت على بلدنا.

 

العدد 1104 - 24/4/2024