الولايات المتحدة..  من الإسلاموفوبيا إلى الصينوفوبيا

د. صياح عزام:

إن من يتابع الحرب الكلامية المتصاعدة بين الولايات المتحدة من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر، والتي تأخذ شكل الرياح العاتية التي تسبق العاصفة، يرى وكأن طبول الحرب تقرع، وأن العالم على أبواب مواجهة كبرى مفتوحة.

والسؤال المهم: هل كل هذا التهديد والتهويل، وحشد الجيوش والأساطيل وتكثيف المناورات العسكرية وزيادة موازنات القوات المسلحة، واللجوء إلى استخدام الدبلوماسية الخشنة للتعبير عن المواقف (مثلما وصف الرئيس بايدن الرئيس الروسي بأنه (قاتل سينال جزاءه) هل الهدف من كل ذلك هو عضّ الأصابع والوصول إلى حافة الهاوية فقط، ثم التراجع عنها بعد تحقيق مكاسب معينة، أو أن يتراجع أحد الأطراف عن مواقفه؟

لقد أصبح واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة أن جوهر الصراع يدور على قمة النظام العالمي أو الشراكة في هذا النظام، فالولايات المتحدة تصول وتجول بكل الوسائل والإمكانات لتبقى متربعة على عرش قيادة العالم في هذا النظام ضد ما تسميها عدوّين ومنافسين حقيقيين لها في نظام عالمي بدأ بالتشكل بالرغم عنها وغدت معالمه واضحة.

ولهذا فهي تحاول جاهدة كبح جماح الاندفاعة الصينية، منطلقةً من أن الوقت لا يعمل لصالحها أمام التطور الصيني التقني والاقتصادي والعسكري الهائل الذي لا تستطيع وقفه ولا مجاراته واللحاق به، إذا لم تعمل على كبحه الآن (حسب التصور الأمريكي) خاصة أن خطط الصين التنموية والتوسع في استثماراتها وعلاقاتها مع دول العالم، من خلال شبكة من المشاريع التنموية والاقتصادية والمالية والطرق التجارية التي تربط العالم ببعضه، مثل مشروع (حزام واحد.. طريق واحد) و(البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية) تلاقي تجاوباً واسعاً معها من قبل دول كثيرة.. لماذا؟

لأنها خطط واستثمارات ومشاريع بعيدة عن الاستغلال والشروط التعجيزية والإملاءات الأمريكية والغربية التي تُفرض على الدول المحتاجة كشروط مسبقة.

إذاً، لا تخفي الولايات المتحدة الأمريكية قلقها الكبير من الصين، وقد تحول هذا القلق إلى (صينوفوبيا) بالنسبة للإدارة الأمريكية التي باتت ترى في الصين خطراً استراتيجياً كبيراً لابد من مواجهته، وبالتالي هي وضعت بكين في كل خططها كعدو وخطر على ما تسميه الأمن القومي الأمريكي.

وبالتوازي مع ذلك تصنف الإدارة الأمريكية روسيا الاتحادية كعدو آخر في أوربا وغيرها، ومن الأدلة الواضحة على احتمال حدوث مواجهة عسكرية تختلقها واشنطن مع هذين البلدين اللذين صنفتهما (عدوين) كما أشرنا قبل: الموازنة العسكرية الضخمة التي أعلنت عنها إدارة الرئيس الأمريكي بايدن في العاشر من شهر نيسان 2021 والتي بلغت 715 مليار دولار للعام 2022، وأحالتها إلى مجلس النواب والشيوخ لإقرارها قبل شهر أيلول من العام الجاري، وتشير هذه الموازنة بشكل مباشر إلى ما تسميه واشنطن (مواجهة تهديدات الصين وروسيا) هذه المواجهة التي تستدعي وضع كل الإمكانات اللازمة لدى البنتاغون، لكي تكون كل الأسلحة البرية والجوية والبحرية والنووية جاهزة وفي حالة استعداد، مع الإشارة إلى أن هذه الميزانية تشمل تحديث وتطوير الأسلحة النووية.

وقد ردت روسيا بسخرية على حجم ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، وذلك على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا لمواجهة الصين وروسيا، ووصفتها بأنها (إفصاح عن ثمن الخوف الأمريكي) وقالت معلقة على ذلك: (إن تدمير العلاقات مع روسيا والصين سيكلف دافعي الضرائب الأمريكيين 715 مليار دولار إضافية، هذا إضافة إلى ديون الحكومة الأمريكية التي ارتفعت في شهر أيلول 2020 إلى 26٫9 تريليون دولار).

ختاماً.. أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة قد اخترعت عدواً جديداً هو (الصينو فوبيا) بعد اختراعها لـ(الإسلاموفوبيا) ولا يعرف حتى الآن اسم (العدو الثالث) الجديد الذي سيتم اختراعه!

 

العدد 1104 - 24/4/2024