إلى العدم!

ريم الحسين:

في كوكب آخر أصبح بعيداً عن كوكبنا الحجري، يشتدّ الصراع بين القوى الكبرى على عدة ملفات قديمة متجدّدة، وهي تحتاج إلى فهم وإدراك وتحليل معمق يأخذ عدة أوجه إذا ما دخلت بالتفاصيل جيداً، إضافة إلى نشوب نزاعات بين دول أخرى وأحداث هامة تحتاج إلى تسليط الضوء عليها. هنا في عالم موازٍ ليس ببعيد، وكوكب مظلم وظالم يبشّرنا مسؤولوه بتحقيق عدالة الظلام والظلم، بعد أن تكون قد تحولت إلى جثّة، وقرّرت عدم الدخول في الشأن الداخلي لعدة أسباب، أهمّها انتفاء الفائدة وفقدان معاني الحروف الضائعة، في كوكب فقدت فيه كرامتك وإنسانيتك، تحاول أن تلملم أفكارك وتشحذ قلمك، فتخرج يدك اللي ترتجف من البرد في محاولة فاشلة أخرى، فيخيّب ظنك العمى المصاحب للإضاءة المقنّنة، فلا تستطيع حتى أن تمد الأجهزة المساعدة للرؤية والكتابة بالطاقة، فعذراً أيها الكوكب الآخر للمبادرات والزيارات والحضن العربي الموحش، والوعود والإشاعات بقرب الحلول!

عذراً مصرفنا المركزي وناقلات النفط وآباره وشرقي الفرات وادلب ومدن الشمال قاطبة إلى الجولان ومدن الجنوب وساحل الشهداء!

عذراً قناة السويس ونهر النيل فلا تعنينا مصر والسودان وإثيوبيا، ولم نعد في قلب العاصفة الصينية والإيرانية والبرامج النووية، ولا تشبيح أمريكا ولا بلطجتها في العالم، ولا القضية الأوكرانية وتأزم الوضع الغربي الروسي، ولا القذارة التركية ولا مشاريع إسقاط الممالك الرملية ولا مؤشرات البورصات العالمية والعملات والمعادن والتطورات التكنولوجية والرقمية وما إلى ذلك من عالم يضج يومياً بالأحداث سواء الجديدة أو المكررة، فنحن هنا نعيش في كوكب نلتمس فيه بشق الأنفس وسيلة نقل، وتضيع أيامنا على الطرقات والطوابير الهائلة، ونحصل بصعوبة وذلّ على ما يستر أمعاءنا الخاوية، ونعيش الخوف في كل ثانية تمارس علينا كل أنواع القهر والعذاب والتعذيب، كأننا فئران تجارب دون موت رحيم وحدود لأناتنا، ونقضي الليل في ظلام دامس ننتظر لمعة نور بعد أن قضى السواد على عقولنا، فأصبحت فارغة إلا من الهم والتعب والتفكير كالماشية، وعلى بصرنا نحن العميان مع ألم لا يفارق أجسادنا، عذراً أيها العالم نحن في كوكب منفرد يكسر القلم ويجف فيه الحبر ويقتل كل إبداع نسير فيه إلى الهاوية!

يا خجلتنا من أطفالنا! أيّ ذنب اقترفناه لنأتي بهم إلى هذه الأرض القاحلة، أيّ مستقبل ينتظرهم في بلاد أصبح الهواء فيها رفاهية، يرافقها قطعان الهمجية الدينية في كل زاوية!

يا ويلنا ماذا فعلنا لنستحق كل هذا الجحيم والنار الكاوية!

 

العدد 1102 - 03/4/2024