الهمّ لأمريكا.. كنا.. ومازلنا

كتب رئيس التحرير:

المحللون السياسيون في الصحافة العالمية أجمعوا في تحليلاتهم على أن سورية..وأزمتها.. ومآسي شعبها، لا تمثل اليوم أولوية على أجندة الإدارة الأمريكية، وأن (بايدن) منهمك بعملقة.. وشيطنة روسيا والصين واسترضاء إيران.

إن نظرة خاطفة إلى الماضي القريب، تؤكد أمرين اثنين:

الأول_أن المسألة السورية اليوم تشكل أولوية مطلقة لإدارة بايدن، مثلما كانت سورية هاجساً لجميع الإدارات الأمريكية منذ خمسينيات القرن الماضي، وكلمة السر هنا هي (الكيان الصهيوني).

الثاني_ أن هذه التحليلات التي تغزو الميديا العالمية، ما هي إلا استنتاجات لمظاهر أرادت الإدارة الأمريكية أن يراها الآخرون كما هي، دون الخوض في مضامينها وسياقها التاريخي، وما أضافت إليها براغماتية أوباما وبايدن.

المسألة السورية حاضرة اليوم في الدرجة الأولى من سلّم الاهتمامات الأمريكية، وإليكم الدلائل:

1- حراك برلماني يومي في الكونغرس يدعو إلى تصعيد الخطاب الأمريكي تجاه الدولة السورية.

2- مشروع قرار لتصعيد العقوبات وتنويعها ضد الدولة السورية وجميع الكيانات الرسمية والأهلية التي تساعد الشعب السوري لأسباب إنسانية، وهذا المشروع نال موافقة اللجنة المختصة، وسيُعرض على الكونغرس  قريباً.

3- تدعيم القواعد الأمريكية على الأرض السورية، وتشجيع بعض القادة في المنظمات الكردية على التقسيم.

4- إعادة هيكلة لبقايا داعش بهدف استمرار الأعمال العسكرية وإرهاق الجيش السوري واستنزاف قدرات البلاد.

5- إصرار على عرقلة أي جهد سلمي لحل الأزمة السورية قبل تحقيق إرادة الأمريكيين بتهيئة الأجواء لاستباحة الكيان الصهيوني للمنطقة بأسرها،لذلك لايبدو انهماك الإدارة الأمريكية بالمسألة السورية ظاهراً في كل تحرك أو تصريح..فما زالت تعمل على إركاع سورية لتهيئة هذه الأجواء.

6- الاعتماد على مجموعات من الحلفاء المباشرين، وحلفاء الهدف في الداخل والخارج لتحقيق هذه المقاصد.

ومن يريد أن يحلل السلوك الأمريكي اليوم، عليه أن يعود إلى ماضي السياسة الأمريكية في المنطقة عامة وسورية بشكل خاص.

فمنذ استقلال سورية قرّرت الولايات المتحدة جرّها إلى الأحلاف العسكرية التي تقودها، بهدف توجيه سياسات الدول المشاركة فيها باتجاه العداء للتحرر الوطني..ومعاداة الشيوعية والاتحاد السوفييتي.وهكذا روجوا مبدأ أيزنهاور لملء الفراغ الذي أحدثه خروج المستعمر، ومشروع دالاس والنقطة الرابعة والحلف المركزي وحلف بغداد، وترافق الضغط الأمريكي السياسي والدبلوماسي مع محاولات لتصنيع انقلابات عسكرية من جهة، وتحريض تركيا وإسرائيل على تهديد استقرار سورية من جهة ثانية.. لكن عامل الأمان والقوة في مواجهة هذه الضغوط الأمريكية كان وحدة السوريين في ظل نظام سياسي ديمقراطي، وتمسّكهم بتوجه بلادهم المعادي للاستعمار والأحلاف والصهيونية.

لذلك لسنا نبالغ إذا أكدنا أن تاريخنا المعاصر لم يشهد فترة زمنية لم تشكل فيه سورية همّاً أمريكياً، وأولوية من الدرجة الأولى، فهي كانت ومازالت ترفض رفع الأعلام البيضاء في مواجهة الكيان الصهيوني، وترفض التنازل عن شبر واحد من أراضيها المحتلة في الجولان، ورغم ما عانته.. واليوم..ورغم ما قاساه شعبها خلال الأزمة والغزو الإرهابي، فإنها تواجه، بعزمٍ وإصرار، الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي لأراضيها، وترفض تقسيمها تحت أي شعار.

إن هذه العوامل التي لعبت الدور الحاسم في الماضي، مازالت تشكل عوامل استمرار صمود شعبنا، لمواجهة العدوان ومحاولات تأبيد الأزمة السورية التي تنفذها الإدارة الأمريكية اليوم، وتضعها ضمن أولوياتها القصوى، في سعيها لتمهيد الطريق أمام إطباق الكيان الصهيوني على الشرق الأوسط برمّته.

فالإدارة الأمريكية تعمل على استمرار الأزمة السورية وتصعيد الحصار والعقوبات، واستنزاف قدراتها بهدف تحويل بلادنا إلى دولة “فاشلة” لاتلبي أساسيات المواطنين السوريين.

المطلوب تحريك الأزمة باتجاه الحلول، ونريدها سلمية، لكن دون انتظار (مؤبّد). أمّا عوامل الانتصار في المعركة (السياسية)، وحتى (العسكرية) إذا اقتضت الظروف، فهي تلبية مستلزمات صمود شعبنا، وضمان حقوقه السياسية والديمقراطية عبر حوار وطني شامل يضمّ الجميع.

العدد 1102 - 03/4/2024