حول التعليم عن بُعد

يونس صالح:

يواجه التعليم التقليدي في سورية تحديات كبيرة، ليس أقلها ارتفاع نسبة الأمية في كافة أفكاره فحسب، بل في المهمات المستقبلية الجسيمة التي تتطلب معالجات تربوية مبتكرة.

إن هذا التعليم التقليدي لدينا يواجه عدداً من التحديات القائمة والمستقبلية، من أهم هذه التحديات:

أولاً- نسبة الأمية التي مازالت مرتفعة جداً، رغم النجاحات النسبية البطيئة في مجال محو الأمية، عبر مراكز تعليم الكبار بالأساليب التقليدية.. وهذه الأمية تزداد في أوساط الفتيات في البلاد لأسباب اجتماعية مختلفة، إذ تقول الإحصائيات إن نسبة الأمية بينهن قد وصلت في البلاد إلى نحو 70٪، في وقت تنخفض فيه هذه النسبة إلى النصف تقريباً، حين يتعلق الأمر بالذكور.

ثانياً- وإضافة إلى هذه الأمية الأبجدية المباشرة، هناك (أمية المواكبة)، ويقصد بهذا التعبير انقطاع المتخرج عن العلم تماماً بعد تخرجه، ودخوله سوق العمل، فهناك كثيرون يؤرخون لتاريخ تخرجهم باعتباره النقطة الفاصلة – في نظرهم- بين حياة الدراسة والعلم والحياة العملية، متجاهلين علاقة العلم المثمرة بالعمل.

وهؤلاء الذين يصابون بـ(أمية المواكبة) يشكلون – مع مرور الزمن (بطالة هيكلية)، كما أنهم يسهمون في تخلف المجتمع، إذا كانوا عاملين في المجالات العلمية والتقنية على الأخص، لأنهم لا يتابعون الثورة الهائلة في هذه المجالات، ولا يفيدون منها، لاختصار الهوة الواسعة التي تفصلنا عن العالم المتقدم.

ثالثاً- كما أن هناك في بلادنا طفرة سكانية كبيرة، لا يستطيع التعليم التقليدي أن يستجيب لتحدياتها، وبخاصة أن هذه الزيادة السكانية تتركز في أوساط الفئة العمرية (20-24)، والفئة العمرية للأطفال، أي في أوساط الفئات التي تحتاج للدراسة والعلم. ورغم التقدم الكبير في مجال إنشاء الجامعات في البلاد، إلا أنه لايزال بعيداً عن تلبية متطلبات هذه التحديات.

رابعاً- مسألة التسرب.. إن الآلاف المؤلفة من التلاميذ السوريين يتركون مدارسهم لأسباب عديدة، أبرزها الحاجة إلى العمل.. وتقول المعطيات إن نسبة كبيرة من هؤلاء التلاميذ لا تدخل الجامعات، ويشكل التسرب الجزء الأكبر من انخفاض عدد الطلاب في مراحل التعليم العالية، إضافة إلى عدم قدرة الجامعات السورية على الاستيعاب، رغم أن تقدماً كبيراً قد حصل في هذا الاتجاه.

إن علاج الرصيد المتراكم من المتسربين لن يتحقق من خلال إجبارهم على العودة إلى نظام التعليم التقليدي، فالأمر غير ممكن، بل من خلال أساليب جديدة، ربما يقف في مقدمتها التعلم عن بعد.

لهذه الأسباب مجتمعة فإن (التعلم عن بُعد) قد يسهم بقدر أو بآخر في تحقيق ديمقراطية التعليم، حين يتيح المجال لمن فاتهم قطار التعليم من اللحاق به، وحين يتيح مجال التدريب وإعادة التدريب والتعلم لمن دخلوا قطاعات الإنتاج قبل استكمال دراستهم في مراحل الدراسة المختلفة، وللأطفال في سن التعليم الذين لم يلتحقوا بالمدارس لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو لقصور في النظام التعليمي، وللإناث اللواتي لم يتعلمن على المستوى نفسه الذي أتيح للذكور، ولمن لم يدخلوا الجامعات بسبب سياسات القبول، وعدم توفر المقاعد، ولفئة كبار السن، ولكل القوى العاملة في المجتمع التي تحتاج لاكتساب مهارات جديدة.

إن المجتمع السوري بحاجة إلى نظام (التعلم عن بعد)، بمقدار حاجته إلى النظام التعليمي التقليدي، إذ إن كليهما يدعم الآخر ويؤازره، وليس بديلاً عنه، وليس أي منهما بديلاً عن الآخر.

كل هذه الاحترازات السابقة صحيحة إذا وضعت في إطارها الموضوعي، لكن تقدم الأمم في مجالات متعددة لا يتحقق في المجال الأول من الصفر حتى المئة، ثم يبدأ المجال رقم 2 وهكذا.

إنه انطلاق في كل المجالات، ومحاربة صبورة لكل عوامل التخلف، لتحقيق الديمقراطية العامة في كل مجال، وبمؤازرة المجال الآخر، أو بالتقدم خطوة عنه، أو التأخر عن بعض الخطوات، وكل ما عدا ذلك فهو هروب للأمام بالاختفاء وراء شعارات صحيحة، كثيراً ما يقوم بعض المثقفين عندنا بهذه العملية الهروبية.

 

العدد 1104 - 24/4/2024