ماذا صنعت مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني للشباب؟
وعد حسون نصر:
من المعروف أن دور المنظمات الإنسانية والحقوقية والمدنية هو النهوض بالمجتمع، ولكي ينهض مجتمع ما من تحت ركامه ويحيا من جديد لا بدّ من انصهار كل مؤسساته ومنظماته في قاعدة واحدة تقوم ببنائه، وتكون بمثابة لبنة متينة لبقائه شامخاً. من هنا يأتي دور المجتمع المدني الذي يشير إلى إطار العمل الجماعي الذي لا يتسم بالإكراه، فهو يدور حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة ومتبادلة، ويضمُّ عادة التنوّع في مجال العمل، كما يضمُّ في أغلب الأحيان منظمات ومؤسسات كالجمعيات الخيرية المُسجّلة، ومنظمات التنمية غير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي، والمنظمات والمؤسسات النسائية، وهي منظمات تطوّعية غير ربحية تلعب دوراً مهما بين الأسرة والمواطن من جهة، والدولة من جهة أخرى لتحقيق مصالح المجتمع في السلام، وبالتالي نحن الآن أمام مشكلة كبيرة تُحيط بالشباب خاصةً وهي البطالة التي فاقت الوصف، وللأسف مازالت المنظمات تسعى للدور التثقيفي بدلاً من السعي للنهوض بالمجتمع وبجيل الشباب للدخول في سوق العمل، لقد تناست كثير من المنظمات المعايير التي وضعتها لتسير عليها ضمن خطة عملها، والتي هي إعطاء فرصة للمتطوعين في القيادة الإدارية والتخطيط والتنفيذ في هذه المنظمات وتشجيعهم للاستمرار في عملهم واستقطاب عناصر ودماء جديدة لاستمرار العمل في هذه المنظمات، وأن تعمل بصورة مبرمجة لتوظيف طاقات الشباب بما يقدّم الفائدة لهم وللمجتمع، وبالتالي يُعتبر دور المنظمات في المجتمع المدني شريكاً أساسياً في تحقيق التنمية، لاسيما بعدما أصبحت الدولة غير قادرة على الإيفاء بكل الاحتياجات للمواطنين كمّاً ونوعاً وفي الوصول إلى كل الفئات وخاصةً ذات الدخل المحدود أو المعدوم، ولابدّ أن تلعب دوراً مهمّاً لتحقيق مصالح المجتمع في السلام والاستقرار والتكافل الاجتماعي ونشر ثقافة اللاعنف وعدم التمييز والترهيب والقمع بكل اتجاهاته، أيضاً تأمين فرص عمل تساعد الفئات الشّابة والعاجزة عن تأمين قوتها، بأن تساهم في عملية الإنتاج لتكون فعّالة وقادرة على أن تعيش من عملها دون انتظار معيل لها.
لذا ومن خلال ما سبق نلاحظ أن المجتمع المدني الذي يلعب دوراً مهمّاً في تأهيل الأسرة وتمكين أبنائها من التعليم وتأمين الرعاية الصحية والحماية والتعريف بالحقوق والواجبات، إلاّ أنه في بلادنا وفي غالبية الدول النامية، يواجه الناشطون في المجتمع المدني حملات معارضة متعدّدة الأطراف بهدف التقليل من قيمة عملهم، إذ تنطلق بين الحين والآخر حملات تطالب بإقصاء المجتمع المدني تحت حجج رخيصة وغير مبرّرة، تتهم مؤسساته والقائمين عليها بالفساد والإفساد وحمل أجندات خارجية، وطبعاً هذا ما حصل خلال فترة الحرب الشرسة على سورية، بعد أن ظهرت منظمات تُعنى بالإنسان وتعمل على ردم فجوة الضياع الذي خلفته الحرب في نفوس الكثيرين، لا ننكر أيضاً أن المجتمع المدني مثل غيره، فيه أخطاء ومخطئون، وفيه صالحون وفاسدون، وهناك أشخاص يريدون التسلّق على جثث الأبرياء متسلحون بصور تنقل فيها معاناة أطفال دمّرت طفولتهم الحرب لتنال عليها مساعدات داخلية وخارجية فتكون رصيداً لها لا ينال منه الأطفال إلاّ الفتات، وطبعاً هذا ما كان يحصل خلال الحرب السورية واستغلال البعض من مدعي الإنسانية للمهجرين واللاجئين في المخيمات وإقامة ورشات عمل تُعنى بهم، ولكن للأسف تمويلها يذهب لجيوبهم. كذلك البعض كان يحصل على تمويل خارجي ثمن بثِّ سموم لا علاقة لها بأهداف المجتمع المدني ودوره في بناء المجتمع، فقط من أجل المصالح الشخصية، وإن كان هؤلاء أقلية لكنهم يؤثّرون في طبع بصمة سيئة عن العمل الإنساني وفقدان الثقة بأهدافه. وبالتالي ولكي نعيد ثقتنا بالمجتمع المدني ومنظماته والناشطين فيه لابدّ أن يسعى القائمون عليه لإعادته إلى مساره الصحيح من خلال جهود فعّاله وخاصةً توفير فرص للشباب الضائع في زحمة هذا الزمن القاسي لإيجاد ذاتهم وتحقيق آمالهم وطموحاتهم في عمل ما أو دراسة أو حتى موهبة، ولضمان أن تصبَّ هذه الجهود وهذه الأهداف لمصلحة المجتمع ككل وجيل الشباب بشكل خاص لابدّ أن تتكامل جهود المجتمع المدني ومؤسساته مع جهود مؤسّسات الدولة الرسمية لكي نتمكّن من النهوض بالدولة والمجتمع بنواته الأساسية والتي هي الفرد والأسرة نحو حياة مدنية علمانية سليمة متكاملة مع قوانين وأنظمة الدولة، ليكون لدينا جيل من الشباب الواعي والمنفتح فكرياً وعملياً على الحضارة وتطورها.