المعجزة الثامنة
هيفاء شعبان:
عرفت البشرية عبر تاريخها الطويل سبعاً من العجائب تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، ولكن أعتقد بعد الأزمة السورية ستتناقل الأجيال المعجزة الثامنة المتمثلة بميزانية المواطن السوري وكيفية إدارتها، ووحدها الأرقام كفيلة بالتوضيح عبر عدة مقاربات:
* متوسط دخل الأسرة السورية حوالي 50000 ليرة سورية شهرياً في أحسن الاحوال.
* الحد الأدنى الضروري للمعيشة بحسب أغلب الدراسات حوالي 600000 ليرة سورية شهرياً.
فإذا أرادت هذه الأسرة تناول وجبتين من الفلافل يومياً وهي أرخص وجبة:
* أربعة أفراد بمعدل سندويشة للوجبة أي ثماني سندويشات يومياً بقيمة ستة آلاف ليرة سورية.
* أي شهرياً حوالي 180000 ليرة، وتكون الأسرة وقعت بعجز يعادل ثلاثة أضعاف الأجر الذي تتقاضاه.
* هناك مصاريف إلزامية أخرى كفواتير الكهرباء والمياه والهاتف والنقل والتعليم والصحة.
الباحثون والأكاديميون والاقتصاديون حاولوا فهم ما يجري من أجل تقديم حلول لمشكلة الأسرة، بعضها واقعي وبعضها الآخر ينم عن خيال غير واقعي ومنفصل عن البلد.
في المراحل الأولى من عمر الأزمة يمكن تحليل ظاهرة صمود الأسرة السورية من خلال:
التقشف إلى أبعد حد ممكن استمرار الحياة معه.
استنزاف كل مدخراته النقدية والحلي الذهبية.
التخلي عن أشياء كثيرة كانت تعتبر سابقاً من أبسط متطلبات الحياة.
لكن بعد تداخل ظروف ضاغطة عديدة أهمها:
إطالة زمن الحرب لأكثر من عشر سنوات جعل الأسرة تستنزف كل مدخراتها النقدية والذهبية.
– ارتفاع سعر الصرف للدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية بأكثر من ثمانين ضعفاً بين بداية الحرب ويومنا هذا.
– ارتفاع المستوى العام للأسعار بأكثر من مئة وسبعين ضعفاً بين بداية الأزمة ويومنا هذا.
يتعذر على أي باحث أو أكاديمي تقديم إجابات عن الأسئلة التالية:
من أين تغطي الأسرة السورية الفرق بين الإيرادات المتمثلة بالأجر ومصروفاتها الشهرية، في ظل وجود فارق تقدره أكثر الدراسات تفاؤلاً بحوالي 300 ألف ليرة شهرياً؟
من أين تؤمّن الأسرة السورية مصاريف التعليم؟
سابقاً كانت وجبة البطاطا المقلية هي الوجبة الأرخص والأسرع وكانت وجبة الفقراء، اليوم تعتبر رفاهية زائدة، فسعر لتر الزيت تجاوز عتبة الـ 9000 ليرة سورية. وأصبحت تكلفة وجبة البطاطا المقلية تفوق عتبة الـ 13000 ليرة سورية لأسرة مؤلفة من أربعة أشخاص.
هل يستطيع المواطن معالجة العجز عبر الاستعانة بالأقارب والأصدقاء؟
الجواب بالنفي، فالجميع بحالة عوز شديد نتيجة الظروف.
هل يستطيع الاقتراض من البنوك الحكومية أو الخاصة؟
الجواب أيضاً بالنفي، فأغلبية المواطنين لم يعد لديهم أية ضمانات من الضمانات التي تطلبها البنوك، وغير قادرين على تحمل الأقساط، الوضع دقيق وخطير، وأعتقد أننا نمر بأخطر مرحلة من زمن الأزمة ونحتاج إلى إجراءات لا تحتمل التأجيل:
يجب بدايةً الإسراع بإجراء الانتخابات الرئاسية من أجل استباق أية مخططات تستهدف الأمن الاجتماعي مستغلين تدهور الأوضاع المعيشية.
يجب الضرب بيد من حديد على التجار والمضاربين واستبدال الضبوط التموينية بتوجيه تهم الخيانة العظمى والتآمر على الوطن، وتطبيق الأحكام العسكرية على كل من يحاول استغلال الأزمة الحالية.
يجب استعادة حقول النفط مهما كان الثمن من أجل منح مرونة للحكومة لتحريك الأجور دون ضغوط تضخمية.
يجب سنّ قانون صارم لاستعادة الأموال المنهوبة من التجار وبعض المسؤولين، الذين استغلوا الأزمة لبناء ثروات طائلة على حساب زيادة الفقر والأزمات المعيشية.
وكل يوم تأخير في هذه الإجراءات يحمل في طياته زيادة الفقر والبؤس وتعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ويعقد من إجراءات المعالجة مستقبلاً.