جنون الأسعار وتمسحة الأرواح
الدكتور سنان علي ديب:
في ظل الظروف القاهرة التي تصيب بلدنا وأغلب أهله من الشرفاء، وتجلّد الأغلبية وتنمّر البقية، كلنا يتذكر المواطن التونسي في بداية أحداثهم التي تُهنا حتى فيما نسمّيها: شتاء.. خريف.. ربيع.. صيف .. برد.. تجمد.. تنمر.. تلبد.. عندما قال: هرمنا! ومن المؤكد أن أغلب السوريين لم يظنوا ولم يتوقعوا أن تكون هذه الكلمة منطبقة على واقع بلدنا، فكل المؤشرات والمقاييس أبعد ما تكون عن تحويل البنى والأوضاع، فأصبحت هذه الكلمة قليلة أو قزمة أمام ما أصبح خيال المواطن السوري ولسانه يصور وينطق. ومؤكد أن ما مورس وعمل وخطّط له في بلده لا يقترب من جزئيات ما أريد لسوريتنا، فالجغرافيا والسياسة والتطور البنيوي بكل أبعاده، والخطر على المشاريع العالمية، وركائز المخططات المستقبلية المتمثل بالموقع الجيوسياسي وخطوط نقل النفط والغاز، والنسيج الموحد، والبنى الفكرية، والمستوى التنموي، والعمق التاريخي، كلها جمعت عشرات القوى العالمية ومراكز أبحاثها وأوكار استخباراتها لوضع خطط إرهابية ذات بدائل لا تحترم شرعية دولية ولا حقوق إنسان أو قوانين، وهدفها خلق نظام شرق أوسطي جديد من رحم الفوضى والتدمير أسّه بلدنا، وعندما نجحنا في تقويض الإرهاب العسكري فتحوا علينا أسلحتهم بالإرهاب الاقتصادي المدمر الحارق الخارق القاتل المجوّع، بأساليب لم تعرفها البشرية وبادعاءات حضارية: حصارات، وعقوبات، وسرقات، إحراق محاصيل، تدمير معامل، سلب منشآت، وخلق بلبلة، خطط ألف، وباء، مضاربات وهمية، وإعلام مضلّل، أدوات مسيّرة، كل هذا انعكس على حجم الموارد، وعلى رفع متواترللأسعار جعل الأغلبية تلامس الفقر، ولم يعد أي تقشف أو جدولة تنفع الأغلبية: طوابير مستمرة، تأزيم، تمرير، تعويم، واقتراحات خلبية، كله انعكس على فكر المواطن وعلى روحه وإنسانيته وعلى الأخلاق التي ما زالوا يدأبون لحرفها وتمييعها، فحتى كورونا التي عادت إلى واجهة الأخبار ولعدة أطوار لم تعد تعني شيئاً للمواطن، ولم يعد يخشاها كما يخشى كورونا الأسعار وعشوائية التجار، وحتى الموت أصبح عادة، وأصبح الأمل سوداوياً والخوف من القادم مأساوياً، في ظل لا مبالاة يمكن عدّها في ناحية التعمّد، وأصبحت سيرورة الحياة في انتظار عدم اقتراب الموت.
لا مبالاة بأي شيء ما دامت الأسعار كورنت حجم الوجبات ونوعية الغذاء وجمدت مشاعر العباد.
ويبقى السؤال: هل نستسلم ونقول بدلاً من هرمنا: استسلمنا؟!
هل عمّ الظلام؟
هل جفّت الخيارات والعلاجات والأدوات؟!
هل تمسحنا ونتنمّر؟!
تعجّ الصحف بإنجازات الجهات المختصة بجرائم المخدرات والسرقات والدعارة، وهو شيء جميل للعيون الساهرة.
ولكن الأجمل أن نصل إلى علاجات تحدّ من التنمر والانحرافات وتمنع جيلاً والأجيال من التمرد والانحلال، وتعيد الأمل وتحقق المراد.
لا مكان لليأس بوجود الإنسان السوري، ولكن من يحاول تعميم التيئيس؟
ما هي الحلول؟ هل ينفع الانتظار والسلبية ومجيء الأسوأ؟!
هل ما تقوم به الجهات التنفيذية هو كل ما نملك من خيارات؟ لا نتكلم عن المدى المتوسط والمستقبلي، فبوجود الخبرات والموارد والأدوات كل شيء سيكون، ولكن كورونا الأسعار وما خلقته بحاجة إلى علاجات آنية تتدارك الظروف وتعرقل ما خطط ويخطط. وبعلم الجميع ما نراه لا يعطي حلولاً ولن يقطع طريق ما خطط له.
ألا يجب أن نستنفر ونحشد الطاقات ونضرب بالقانون بيد من حديد نار الأسعار مثلما فعلنا لاحتواء كورونا، أم هناك من يظن أن خطر كورونا أخفّ من كورونا الأسعار؟!
حتى في غياب القامات لم يعد الحزن نفسه ولم تعد المشاعر والأحاسيس السورية تشابه ما كان ذهبوا ولكن نار الأسعار تسارع في نسيان من يجب أن يخلدوا.