في أدبيات التواصل الثقافي

عباس حيروقة:

بداية لا بد من ان نبيّن هنا أن المقصود بالتواصل الثقافي ليس بين قطبي المعادلة الثقافية التي درجت العادة على الحديث عنها (مرسل – متلقي) ولكن من الممكن أن نتحدث عن جهة ثالثة ألا وهي الجهة المنظمة أو المضيفة.

لاشك أننا، بحكم التجربة المتواضعة التي امتدت على الأقل لعقدين من الزمن، جُبنا خلالها عشرات المراكز الثقافية في مختلف مدن سوريتنا الحبيبة ومحافظاتها، وشاركنا في مختلف المهرجانات والندوات هنا وهناك، مما ساهم بطريقة أو بأخرى في تشكل صورة واقعية، بل حقيقية عن آلية التواصل، بل أدبيات التواصل بين الجهة الداعية والمنظمة والمضيفة، والضيف، التي لا بدّ من توافرها للتأسيس لحالة ثقافية حضارية تليق بالفكر وبالعقل السوري وتقعيدها وإنجاحها، إذ ليس من مؤسسة أو وزارة أهم وأولى وأجدر بالاهتمام بالمثقف والثقافة أكثر من وزارتنا الراقية وزارة الثقافة، وفي المقلب الآخر اتحادنا – اتحاد الكتاب العرب.

حقيقةً تحدثنا غير مرة ومن على غير منبر عن ضرورة النهوض بالمثقف، إذ لا يمكن أن ننهض بأي بلد ما لم ننهض به ثقافياً، ولا يمكن أن ننهض به ثقافياً إن لم ننهض بمثقفيه، ولا يمكن أيضاً أن ننهض بمثقفيه ما لم نعمل على تحصينهم مادياً ومعنوياً، من خلال تحسين حالهم، ورفع تعويض مشاركاتهم، وطباعة مؤلفاتهم ورعايتهم صحياً …الخ، ومعنوياً، من خلال سن قوانين وقرارات من شأنها فتح آفاق حرية القول والكتابة وضمان سلامته وتحصينه …الخ.

أسوق هذه المقدمة الطويلة نسبياً للحديث عن آخر مهرجان شعري شاركنا فيه بدعوة من وزارة الثقافة- مديرية الثقافة في حمص – المركز الثقافي العربي في حمص – مهرجان (عبد الباسط الصوفي) ولن نتحدث هنا عن أهمية الثقافة وتعزيز ثقافة الحوار والجمال والبناء.

ولكن من البداهة أن ثمة رسالة أو هدفاً وراء أية فعالية تقام هنا وهناك، ومن خلال مشاركاتنا في غير مهرجان (السويداء – الرقة – حماة…الخ) يتضح ذاك النضوج والألق والبهاء من خلال احتفاء الجهة المنظمة لتلك الفعالية بجميع المشاركين، وبأبناء المكان مما يعكس وعياً جمالياً بمفهوم الثقافة كرسالة أولاً، لا كوظيفة يجب أن نقوم بها وحسب.

ففي مهرجان السويداء على سبيل المثال، ثمة مكتب للعلاقات العامة يقوم بالتواصل مع الأديب، استقباله،  اصطحابه إلى مكان إقامته، دعوته والمشاركين جميعاً إلى حفل غداء يحضره ممثلو الجهات الرسمية والثقافية وعلى رأسهم السيد مدير الثقافة، ويحتفي بطريقة تليق به أولاً وبالضيوف وثقافة مدينته ثانياً …الخ، وحين المغادرة يثصرف تعويض المشاركة مع كلمات الثناء والتقدير …الخ من إجراءات جدّ بديهية يقوم بها كل مدير ثقافة يعي مهامه، ويعشق رسالته ويتفانى في سبيل تحقيقها – مدير ثقافة حماة أنموذجاً.

ولكن الذي حدث في حمص في مهرجان رعته السيدة الوزيرة_ مهرجان عبد الباسط الصوفي_ محزن جداً حد الخجل. لن أتحدث في التفاصيل من حيث عدم صرف تعويض المشاركة، وتأجيل ذلك إلى حين ورودها من الوزارة، ولا عن عدم الإعداد الجيد من بطاقات دعوة ليصار إلى توزيعها على وسائل الإعلام، أو حتى تعليقها في مداخل المديرية والمركز الثقافي، ولا عن عدم التواصل في اليوم الثاني من المهرجان مع الضيف القادم من دمشق من قبل المديرية وتفقد حاله وهو – مدير ثقافة الطفل في وزارة الثقافة.

ولكن هل من المنطق والمعقول أن يتم استضافة أديب من السويداء للمشاركة ويحجز له في الفندق مثلاً، وحين يطلب وجبة غداء له فقط لا لزملاء معه، له وحسب، يجيبه المعني بالأمر أن لا وجبة غداء لك، الثقافة حجزت لك عشاء وفطور وحسب، فيضطر الزميل المشارك والضيف القادم من السويداء خجلاً إلى مغادرة الفندق منطلقاً إلى السويداء، لن نبحث في تداعيات الأمر وما كان من الواجب العمل به أو عليه لدرء ما حدث، ولكن السؤال الأهم:

أليست مديرية ثقافة حمص تتبع للوزارة ذاتها التي تتبع لها مديريات الثقافة في حماة والسويداء والرقة؟!

أليست قوانين وزارة الثقافة واحدة وأنظمتها واحدة؟

مشكورة السيدة مديرة المركز الثقافي على دعوتها وحفاوة استقبالها ولكن من الملوم هنا؟! وعلى عاتق من تقع مسؤولية رعاية الضيوف والاهتمام بالمشاركين والتعامل معهم بطريقة تعكس جمالية الثقافة السورية وأصالتها؟

لماذا، منذ سنوات، حمص دون الرقة وحماة والسويداء والقنيطرة و…الخ؟!

أتمنى أن يؤخذ قولنا هذا ضمن سياقه العام، وأن لا غاية لدينا سوى النهوض بالمشهد الثقافي السوري مع محبتنا واحترامنا للزملاء والإخوة في (مديرية الثقافة بحمص).

العدد 1104 - 24/4/2024