المرأة مابين داعة تحررها والمتحكمين بقرارها

مريم العمر:

كثيراً ما نشاهدُ إعلانات أو نسمع عن أعمال تشترطَ وتُحدّد نوعية لباس المرأة (غير محجّبة)، يقابلها في الجهة الثانية شروطاً أخرى تطلب لباساً محتشماً وربما نقاباً. وتعود الأسباب هنا لطبيعة العمل المطلوب، وربما لمالك العمل وتوجهاته. فمثلاً المعلمة في المدارس الشرعية لها لباسٌ مُحدّد عليها الالتزام به، والأمر ذاته يندرج على أغلب المهن، كما أن بعض الأعراف تلعب دوراً في هذا، وأقصدُ هنا الفكرة السائدة بأن وجود المرأة كموظفة وعاملة بأي مكان يجعل منها عامل جذب واستقطاب من قبل الجنس الآخر دون النظر إلى إمكانيات هذه المرأة وطاقاتها، وهل تصلح لممارسة أي عمل مطلوب منها، ممّا يجعلها أداة للتسويق والتسليع. ويزيد من حدّة هذه الأفكار التي يتبنّاها كلا الطرفين: المتعصّبون لذكوريتهم، أو النسويات اللواتي أخطأن في تحديد الخصم الحقيقي، دون الانتباه لفكرة أساسية فحواها أن قيمة المرأة تكمن فيما تفكّر وتقدّم للمجتمع وليس في جسدها وما تُخفي أو تُظهر منه، كما أنه يجب تعزيز مفهوم الحرية الشخصية القائل: يحق للفرد أن يفعل كل ما لا يضرّ بالآخرين، منطلقين من تحديد طبيعة العلاقات بين أفراد المجتمع واحترامهم لبعضهم البعض كبشرٍ رجالاً ونساء.

إن تحرير المرأة لا يكمن بشكل ثيابها، وإنما بتحرير المجتمع الذي سلبها الكثير من حقوقها، ممّا يعني أنها بحاجة إلى عناية عامة تتمركز حول الاهتمام بالتركيبة الاجتماعية والمنظومة الأخلاقية والقيمية للمجتمع بشكل عام بما يُحقّق الارتقاء الاجتماعي لكل فئات المجتمع والنساء ضمناً، ويكون ذلك بمحاربة الثقافات الأبوية ضمن المناهج الدراسية، والإضاءة الفكرية حول أهمية كل عضو في المجتمع ودوره بعيداً عن جنسه، ولأن المرأة جزء من هذا المجتمع فعليها أن تعمل وتساهم في نهوضه، من أجل بناء حضارته وخلق جيل واعٍ ومثقف.  فعدو المرأة الحقيقي هو الجهل والتنشئة الاجتماعية الخاطئة، وصديقها الحقيقي هو الوعي بالذات والمعرفة التي تحرّرها.

العدد 1102 - 03/4/2024