الإصلاح السياسي يلبي مصلحة الشعب والوطن  

النور 12/ 04/ 2011

تسود موجة من التفاؤل أوساط الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية بعد القرارات الهامة التي اتخذتها القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، والتي كان أبرزها القرارات المتعلقة بالإصلاح السياسي، كإلغاء حالة الطوارئ، وحل مشكلات إحصاء عام ،1962 ووضع قانون للأحزاب، وآخر للإعلام، ومكافحة الفساد.

ويمكننا القول إن هذه القرارات إذا ما نفذت بالمواصفات والسرعة المطلوبة، ستفتح الآفاق أمام تحولات سياسية واجتماعية كانت وماتزال مطلباً أساسياً لجميع الأحزاب الوطنية وفئات الشعب كافة.

لكن يبدو أن البعض يريدون من الإصلاح السياسي في البلاد، أن يأتي على مقاسهم فقط، وأن يلبي طموحاتهم، التي تختلف في أحيان كثيرة مع طموحات الأكثرية الساحقة من أبناء الوطن، الذين طالبوا بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ سنوات طويلة، بهدف تقوية التلاحم الوطني بين أطياف مجتمعنا وأحزابه وفئاته، وتهيئة الظروف لانطلاقة جديدة نحو الوطن الحر.. الديمقراطي.. العلماني، القادر على استيعاب جميع تطلعات أبنائه ومرجعياتهم الفكرية والسياسية والدينية، واستثمارها في عملية بناء كبرى تستهدف إنهاض سورية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

1 – من يهدف من الإصلاح السياسي إلى الحصول على مكاسب فئوية وطائفية، ويدّعي سراً وعلناً تحقيق المكاسب من عملية الإصلاح قبل أن تبدأ، فهو واهم، فشعبنا لم يألف التمييز الطائفي، وهناك وقائع في سيرتنا الوطنية.. وتاريخنا القديم والحديث، تؤكد أن سورية كانت في الماضي.. وستبقى في المستقبل، وطناً لجميع فئات الشعب السوري بمختلف انتماءاته السياسية والدينية والإثنية.

2 – ومن يرد من الإصلاح السياسي نصراً لآرائه ومعتقداته السياسية فقط فهو واهم أيضاً، فالإصلاح القادم نصر للجميع، إذ طالبت جميع القوى السياسية والاجتماعية ومكونات المجتمع المدني المختلفة، بحتمية إجراء إصلاحات سياسية في البلاد، تنسجم مع الحركة الثورية الناهضة في البلدان النامية، والساعية إلى إنهاء تبعيتها لقوى الاستعمار الجديد الذي يستعيض شيئاً فشيئاً عن البندقية بمخازن القمح.. وبرامج الكومبيوتر، والعمل على بناء نظام على أسس سياسية ديمقراطية، وأسس اقتصادية واجتماعية مستقلة، تهدف إلى تنمية شاملة وعادلة تلبي مصالح جميع فئات الشعب.

3 – ومن يرد من الإصلاح المعلن استمرار سطوة بعض المنتفعين.. والمرتشين.. والفاسدين، والمخربين المتلطّين خلف بعض الأجهزة، ومتابعة ممارساتهم التي أضرت بالاقتصاد الوطني، وراكمت الغضب الشعبي، فهو أيضاً واهم.إذ بدا واضحاً الأضرار التي تسببوا بها، والمليارات التي نهبوها.

4 – ومن يرد من الإصلاح السياسي، وخاصة ما يتعلق منه بقانون الأحزاب الذي يجري تحضيره للنقاش العام، الحجر على الأحزاب الوطنية والتقدمية التي مدت جذورها عميقاً في تربة الوطن، وإطلاق العنان لأحزاب تمثل قوى دينية.. أو طائفية.. أومللية فهو واهم.فما رفضه شعبنا في الماضي.. سيرفضه الآن، وشعبنا السوري لن يتخلى عن تعاليه.. وسموّه فوق كل نعرة دينية أو طائفية تستهدف وحدته الوطنية.

الإصلاح السياسي كما نفهمه ونريده، ويريده الكثيرون أيضاً، هو التحول إلى نظام سياسي مؤسساتي تديره المؤسسات المنتخبة ديمقراطياً، تتفاعل فيه وتتلاقى وتختلف أحزاب وطنية عديدة، تعبر عن مصالح فئات الشعب المختلفة، تحت سقف مصلحة الوطن والمواطن، دون سطوة حزب على آخر، بل تحالف حزب مع آخر في سبيل تحقيق المصلحة الوطنية المشتركة. نظام يسعى إلى حشد طاقات الجميع من أجل تنفيذ استحقاقات وطنية كبرى تحتاج إلى جهود الجميع، وفي مقدمتها النضال باستخدام جميع الوسائل لتحرير الجولان الغالي على قلوب السوريين، واستمرار عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بقيادة الدولة وقطاعها العام المعافى.. والرابح، ومشاركة القطاع الخاص الوطني المنتج، الذي لعب في الماضي، وسيلعب الآن دوراً أساسياً في إنهاض الاقتصاد الوطني.

أما من يريدون استغلال الأحداث الجارية في البلاد من أجل إضعاف مقاومتها لمشاريع الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط تمهيداً لخلق مناخات سياسية تسمح بتحقيق الحلم الإسرائيلي التوسعي، فنقول لهم أيضاًأنتم واهمون، فقد قللتم كثيراً من وعي شعبنا وحكمة أبنائه، وحرص قواه السياسية الوطنية على حرية سورية.. واستقرارها.. وازدهارها.

في خمسينيات القرن الماضي رفضت  سورية السباحة في الفلك الأمريكي، وأفشلت بتلاحم شعبها وقواه الوطنية مشاريع عديدة استهدفت خنق حركات التحرر الوطني في المنطقة، وإقامة أنظمة سياسية (صديقة) للولايات المتحدة وإسرائيل، وتحولت بعد ذلك إلى مصدر قلق دائم للإدارات الأمريكية المتعاقبة.لنقرأ ما جاء في افتتاحية صحيفة (نيويورك تايمز) بتاريخ 22 8 1957

(إنها لدبلوماسية مشروعة للولايات المتحدة أن تشجع جميع الدول المعادية للشيوعية في الشرق الأوسط كي تستخدم كل ما في وسعها من الضغط والتأثير لكبح جماح سورية).

واليوم مازالت  سورية تمثل الرقم الصعب.. والعقبة الوحيدة أمام المشاريع الأمريكية- الصهيونية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية، والهيمنة المباشرة على الشرق الأوسط الصغير والكبير.

القضية الرئيسية الآن هي وقف نزيف الدم السوري، ومتابعة الحوار مع ممثلي أهلنا في محافظة درعا وبقية المحافظات والمناطق السورية، وتلبية مطالبهم التي تصب في مصلحة الشعب والوطن معاً، وابتعاد الطرفين عن طرح المطالب التعجيزية والتصعيدية، ومتابعة لجنة التحقيق في أحداث درعا مهمتها، ومساءلة من تثبت مسؤوليته عن إزهاق أرواح الأبرياء، وتعاون الأهالي مع السلطات لنبذ مثيري الفتن، وعودة الحياة الطبيعية إلى هذه المحافظة الغالية، وإلى بقية المدن السورية.

نحن نرى أن الإصلاح السياسي المتعدد الجوانب، والذي سيشمل إلغاء حالة الطوارئ، ووضع قانون عصري للأحزاب، وانتخاب الهيئات التمثيلية على أسس ديمقراطية، سيقوي صمود بلادنا، ويعزز قدراتها الذاتية، ويقطع الطريق على المتربصين.. وأصحاب الأجندات الخاصة.. ومتلقي الدعم الخارجي.. ويدفع جماهير الشعب السوري العظيم إلى صنع المعجزات.

النور 479 (13/4/2011)

 

العدد 1104 - 24/4/2024