تطوير التصنيع الزراعي
فؤاد اللحام:
يشكل التصنيع الزراعي جزءاً هاماً من التشابك الزراعي الصناعي. ففي حين يتناول التصنيع الزراعي تصنيع المنتجات الزراعية، يتضمن التشابك الزراعي الصناعي، إضافة إلى تصنيع المنتجات الزراعية، توفير المنتجات الصناعية اللازمة للإنتاج الزراعي من الأسمدة والأدوية والمبيدات والآليات وغيرها.
القرارات الحكومية الأخيرة برفع سعر كيلوغرام القطن إلى 1500 ل. س، والقمح إلى 900 ل. س، والشوندر السكري إلى 170 ل. س، جاءت بهدف تشجيع منتجي هذه المواد على إنتاجها وتسويقها للجهات الحكومية المعنية، وذلك لتوفير أقصى ما يمكن من مستلزمات الإنتاج للصناعات النسيجية والغذائية، التي تعاني حالياً من مشاكل نقص هذه المواد نتيجة الظروف الراهنة.
قبل الأزمة كان القمح القاسي السوري يصدّر كمادة أولية، وكانت جودة إنتاج المعكرونة وغيرها من المنتجات المحلية التي تستخدمه لا تتناسب مع جودة هذا القمح. وكان القطن السوري يصدّر محلوجاً أو مغزولاً دون قيمة مضافة تذكر. وظل زيت الزيتون لفترة طويلة يصدر (دوكما) إلى دول أخرى لتعاد تعبئته وتعديل مواصفاته وتصديره باسم تلك الدول، إلى أن بُدئ قبل فترة قصيرة من بدية الأزمة وبشكل جزئي بالاهتمام بتعبئته بشكل يتناسب مع أذواق الزبائن وطلباتهم. وينطبق الشيء نفسه على الألبان والأجبان وغيرها. بالمقابل كانت احتياجات القطاع الزراعي من الأسمدة والأدوية البيطرية والجرارات والماء والمحروقات تسد جزأً هاماً من احتياجات هذا القطاع الزراعي لكن ليس جميعها بالشكل المطلوب.
ثم جاءت الأزمة وأدت إلى تراجع الإنتاج المحلي الفعلي أو المسوّق من المنتجات الزراعية والحيوانية التي تشكل مستلزمات إنتاج للعديد من الصناعات الغذائية والنسيجية كالقطن والقمح والشوندر السكري والحليب والفواكه والخضراوات، سواء بسبب الأزمة أو بسبب الأحوال المناخية والأمراض التي أصابت عدداً من هذه المحاصيل، أو بسبب قطع أعداد كبيرة من الأشجار المثمرة للتدفئة أو للأعمال العسكرية، وعدم تمكن أصحابها من العناية بها، وصعوبة جني المحاصيل ونقلها وتسويقها. إضافة إلى فقدان أكثر من نصف الثروة الحيوانية، والتأخر في تحديد أسعار مجزية لشراء بعض هذه المنتجات المحصور بيعها وتسويقها بالجهات الحكومية، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي (الكهرباء والمازوت والأسمدة والبذار والأعلاف واللقاحات والأدوية البيطرية والمبيدات) وأجور الفلاحة وجني المحاصيل وصيانة الآلات وأجور النقل والتحميل والتنزيل وعمولة أسواق الجملة، وتعدّد الوسطاء، وأتاوات عبور الحواجز. كما أدت الأزمة إلى تراجع واضح في إنتاج القطاع الصناعي لجهة توفير عدد من مستلزمات إنتاج القطاع الزراعي، وفي مقدمتها الأسمدة بأنواعها والجرارات وغيرها، بسبب توقف معامل القطاع عن إنتاج هذه المواد أو تراجع إنتاجها بسبب نقص الغاز والكهرباء وتأمين وصول الفوسفات إلى الشركة العامة للأسمدة بحمص. إضافة إلى عدم توفر الأيدي العاملة نتيجة نزوحها وهجرتها إلى الداخل والخارج. ما أدى إلى عدم تسليم معظم هذه المنتجات للجهات العامة المعنية وبيعها أو تهريبها بأسعار أعلى (القمح والقطن)، أو العدول عن زراعتها (الشوندر السكري) والانتقال لزراعة محاصيل أخرى أكثر اقتصادية بالنسبة للمزارع. وذلك على الرغم من لجوء الحكومة في بعض الأوقات إلى التعاقد مع شركات خاصة لنقل القطن والقمح من بعض المناطق التي يسيطر عليها المسلحون إلى المناطق التي تسيطر عليها من أجل تأمين ما يمكن من هذه المنتجات إلى المحالج ومعامل الغزل والمطاحن.
التصنيع الزراعي بالشكل المطلوب لا يقتصر ولا ينبغي أن يقتصر على توفير المادة الأولية وحسب، بل ينبغي أن يركز أيضاً على تكامل وتطوير كل حلقات سلسلة الإنتاج لهذا المنتج الزراعي أو ذاك، ومعالجة الصعوبات التي تواجهها لتحقيق أكبر قيمة مضافة ممكنة من خلال نوعية المنتج وتسويقه.