امرأة من نور ونار.. في رحيل نوال السعداوي

عبد الرزاق دحنون:

نوال السعداوي امرأة من نور ونار، عندما تقترب منها كأنها جمرة متوهجة يلسعك شدّة لظاها، وعندما تنظر إليها من بعيد تتبدّد العتمة التي تُحيط بك وتُنير لك الطريق، هي إحدى الشخصيات المصرية الأكثر إثارة للجدل؛ إذ يصعب على القارئ العربي أن يقف منها موقفاً وسطاً، فإما أن يكون معها وإما أن يكون ضدها. وهي أشهر من نادى بتحرير المرأة في القرن العشرين، وطالبت المرأة العربية بأن تكسر قيودها وتنطلق في دروب الحياة الرحبة الواسعة، وجهرت علانية من خلال كتبها ومقالاتها ومحاضراتها، وطالبت بالعصيان على قوانين ما سمَّتْه المجتمع الذكوري.

ولدت نوال السيد السعداوي في كفر طلحة بمحافظة الدقهلية في مصر المحروسة عام ١٩٣١، لأسرة متوسطة الحال؛ فكان أبوها موظفاً بوزارة المعارف، وقد لعب دوراً كبيراً في حياتها، فمنه تعلَّمت التمرد على قيود المجتمع، وأن الثوابت التي لا تؤمن بها هي أصنام يسهل تحطيمها. أما أمها فهي سيدة ريفية بسيطة ورثتْ عنها الجلَد وتحمُّل المسؤولية. أتمَّتْ نوال السعداوي دراستها الجامعية وتخرَّجَتْ في كلية الطب عام ١٩٥٥. وعلى الرغم من الصراع الدائم داخلها بين الأدب والطب، فإن أحدهما لم يحسم المعركة؛ فقد كانت مؤلِّفتُنا طبيبةً مشاكسة وأديبةً مثيرة للأسئلة. تزوَّجَتْ ثلاثَ مرات وأثمَرَ زواجُها ولداً وبنتاً، وكان زواجها الأخير من شريف حتاتة هو الذي دفع بأعمالها إلى العالمية، بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.

كتبت نوال السعداوي أكثر من خمسين عملاً متنوِّعاً بين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية، وعزفت بقلمها على الثالوث المقدس (الدين والجنس والسياسة) لتقوِّضه؛ فهي تدعو لأن تتحرَّر المرأة من قيد عبودية الرجل محلِّقة في أُفُق أرحب من المساواة ذاتها؛ فالمرأة حين ارتدت الحجاب تديُّناً استتر عقلها قبل شعرها، واعتلاها الرجل باسم الجنس. وعلى أعتاب السياسة فقدت كلَّ شيء وقضت حياتَها مدافعة عن المرأة؛ فسلبت حريتها، وعزلت من وظيفتها، وأُدرج اسمها في قائمة الاغتيالات، ولم يكن أمامها إلا أن تبحث عن الحرية والأمان في مكان آخر، ولكنْ أينما ذهبت كانت قضية المرأة هي شاغلها الأكبر، فظلَّتْ تكتب عنها وإليها.

وعلى الرغم من جهدها في الدفاع عن قضايا المرأة المصرية والعربية، فإن الاحتفاء بها جاء من عدة دول غير عربية، كما أنها رُشِّحت لجائزة نوبل. ويظل اسم نوال السعداوي من أهم الأسماء المحفورة في مخيِّلة الأدب النِّسوي العربي والعالمي.

العدد 1102 - 03/4/2024