نوال السعداوي أيقونة نسائية

وعد حسون نصر:

رمزت لكل قضايا المرأة..

( لا يموت الإنسان في السجن من الجوع أو من الحرّ أو البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات، لكنه قد يموت من الانتظار.. الانتظار يحوّل الزمن إلى اللّازمن، والشيء إلى اللّاشيء، والمعنى إلى اللّامعنى).

(ما أقبح النبل في لحظة الحب).

هذا ما قالته السعداوي التي ولدت في تشرين الأول عام 1931 وتوفيت في 21 آذار 2021.

نشأت في إحدى قرى مركز بنها، في عائلة تقليدية ومحافظة بقرية كفر طلحة، وفي السادسة من عمرها خُتِنَتْ، أصرّ والدها على تعليم جميع أولاده، وكان مسؤولاً حكومياً في وزارة التربية والتعليم، استمدّت منه احترام الذات ووجوب التعبير عن الرأي بحرية ودون قيود مهما كانت النتائج، كما شجّعها على دراسة اللغات. توفي كلا والديها في سنٍّ مبكّرة، فحملَت نوال العبء الكبير للعائلة، عام 1955 تخرّجت نوال في كلية الطب بجامعة القاهرة وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة، وتخصّصت في مجال الأمراض الصدرية، وعملت طبيبة امتياز بالقصر العيني. تزوجت في العام نفسه من أحمد حلمي، زميل دراستها في الكلية، ولم يستمر الزواج لفترة طويلة. تزوجت ثانية من رجل قانون ولم يستمر هذا الزواج أيضاً، خلال عملها طبيبةً لاحظت المشاكل النفسية والجسدية للمرأة الناتجة على الممارسة القمعية للمجتمع والقمع الأسري، كما لاحظت الصعوبات والتمييز الذي تواجهه المرأة الريفية، ونتيجة محاولاتها للدفاع عن إحدى مريضاتها من التعرّض للعنف الأسري، نُقِلَتْ السعداوي إلى القاهرة والتقت بزوجها الثالث، وهو شريف حتاته، كان رجلاً حراً جداً، ماركسياً، عاشت معه 43 عاماً، وأخبرت الجميع أن هذا هو الرجل (النسوي) الوحيد على وجه الأرض، ثم بعد ذلك اضطرّت للطلاق أيضاً، لأنه كان كاذباً حين ألّف كتباً عن المساواة بين الجنسين، ثم خان زوجته.

قدمت السعداوي الكثير من نضالها لأجل تحرّر المرأة، وسعت لتعرف كل منّا حقوقها حتى حقّها في حياتها الجنسية، فكان أن نشرت في عام 1972 كتاباً بعنوان المرأة والجنس، مواجهة بذلك جميع أنواع العنف التي تتعرّض لها المرأة مثل الختان، والطقوس التي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية الفتاة، كما أُغلقت في عام 1973 مجلة الصحة التي أسّستها قبل ذلك بسنوات غير أنها لم تتوقف عن التعبير عن آرائها، وفي عام 1975 نشرت رواية (امرأة عند نقطة الصفر) المستوحاة من قصة حقيقية لامرأة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام. وعام 1977 نشرت روايتها (الوجه العاري للمرأة العربية) التي وثّقت فيها تجاربها، إذ كانت شاهدةً على جرائم اعتداء جنسي و(جرائم شرف) ودعارة خلال عملها طبيبة في إحدى القرى، وقد أثارت الرواية حالة من الغضب، واتهمها النقّاد بتعزيز الصور النمطية للمرأة العربية. في أيلول 1981 أودعت السعداوي السجن ضمن حملة اعتقالات طالت معارضي الرئيس المصري آنذاك أنور السادات وحينذاك كتبت مذكراتها تحت عنوان (مذكرات من سجن النساء).

السعداوي فعلت أشياء لم يجرؤ أحد على القيام بها، لكنها كانت أموراً عادية بالنسبة لها، لم تكن تفكّر في كسر القواعد أو الضوابط، وإنما في أن تقول الحقيقة، بعد اغتيال السادات أُطلق سراح السعداوي، لكن نشاطها خضع للرقابة وحُظرت كتبها، وخلال السنوات التالية، تلقّت تهديدات بالقتل من جانب أصوليين، كما رُفعت ضدّها دعاوي قضائية، فاضطرّت في نهاية المطاف إلى العيش في منفى بالولايات المتحدة، وهناك واصلت هجماتها ضدّ الدين والاستعمار وما وصفته بالنفاق الغربي، وشنّت حملة ضدّ ارتداء الحجاب، لكنها هاجمت في الوقت نفسه استخدام مساحيق التجميل والملابس الكاشفة، ممّا أثار غضب زميلاتها من الناشطات النسويات، وحين سألتها مذيعة (بي بي سي) زينب بدوي في حوار أجرته عام 2018 عن إمكانية تخفيفها حدّة انتقاداتها، أجابت السعداوي قائلة: كلّا، يجب أن أكون أكثر صراحة، يجب أن أكون أكثر عدوانية، لأن العالم بات أكثر عدوانية، ونحن بحاجة إلى أن يتحدّث الناس بصوت عالٍ ضدّ الظلم، وأضافت: أتحدّثُ بصوت عالٍ لأنني غاضبة.

نالت السعداوي درجات شرفية عدّة من جامعات مختلفة حول العالم، وفي عام 2020 أدرجتها مجلة (التايمز) الأمريكية ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً، وخصّصت غلافها الخارجي لصورتها، وترشّحت في الانتخابات الرئاسية عام 2004، ثم شاركت في الانتفاضة الشعبية ضدّ حكم الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011.

أمضت السعداوي سنواتها الأخيرة في القاهرة إلى جانب ابنها وابنتها، وقد مرّت بالكثير وأثّرت في أجيال، نعم، هي أيقونة قدّمت الكثير في سبيل تحرّر المرأة، كانت ثائرة في ميدان الجهل ضدّ التعنيف الواقع على المرأة من قبل أسرتها ومجتمعها، خاصةً المجتمعات العربية ونظرتها الدونية للمرأة.

نوال السعداوي شعلة أنارت درب النساء لتفتح لهم درب الحرية وتقضي على الجهل.

لروحك السلام يا شعلة من نور.

العدد 1104 - 24/4/2024