يرحلون وتبقى ذكرى ما صنعوه خالدة

ريم داوود:

مناضلة، مقاتلة، حرّة. رمز للكفاح النسوي، وثائرة مدافعة ومجاهدة، ثابتة راسخة كشجرة زيتون متأصّلة.

هكذا قضت نوال السعداوي سنوات حياتها مدافعةً عن حقوق وقصايا النساء، رافضة اللاّمساواة، ومحاربة التطرّف الذكوري بضمير صادق ونيّة سليمة وعزيمة مخلصة لا تُقهر، فجاءت أعمالها مصداقاً لأقوالها، لم تتلون ولم تتذبذب ولم تملْ مع هبوب الرياح، ثابتةً صامدة تقيس الأمور بمقياس الحقيقة.

مواقف جريئة أثارت الجدل في العالم العربي بسبب مجاهرتها بتحدّي المحظورات المتمثلة في الدين، والجنس، والسياسة، فكانت صوت النساء المخطوف وحقهنّ المسلوب وربيع أملهن الغائب.

غابت شمس نوال مُتمّة معها خاتمة أطول قصة خطتها بحبر النضال والعزيمة والإصرار، فحصدت معها لقب أهم كاتبة روائية في العالم العربي.

جوائز وفخريات عديدة نالتها تلك الأديبة تقديراً وتمجيداً لجهودها، وفُجع محبوها وغادرت هذا العالم الأرضي منطلقة في رحلة المجهول مُحلّقة في فضاء النور، مُخلّدة لنا حصيلة سنوات وعقود من الابداع والفكر.

استهلت تلك الطبيبة أعمالها الأدبية في عمر مبكر، فكانت أولى أعمالها مُتجسدة في قصص قصيرة بعنوان (تعلمتُ الحب) ونقتبس منها:

(هو يقول: لعلّ وهي تقول: لعلّ، ولم يعرف أحد أبداً الحقيقة حتى بعد أن تخرّجوا، واشتغلوا، وكبروا وتزوجوا لم يفهموا الحقيقة).

تغوص الكاتبة في أبعاد النفس البشرية مُبيّنة بعداً آخر للحب يختلف عن ذاك الذي تُجسده علاقة الرجل بالمرأة مُبحرة في عمق أبعد من إدراكنا للحب.

وترفده بعدد من الكتب والروايات كان أهمها (مذكراتي في سجن النساء) مقدمة هذا الكتاب عربون شكر لكل من وقف معها وقفة تضامنية بعد أن تعرّضت للسجن والفصل من نقابة الأطباء نتيجة تصريحاتها ومواقفها الجريئة.

عقود وسنوات عانت فيها تلك السيدة المثابرة، فما كان من الظلم والطغيان إلاّ أن زادها إصراراً وتصميماً على متابعة طريقها.

علاقات زوجية منها ما كان فاشلاً، ومنها الناجح، لكنها لم تيأس يوماً ولم تتخاذل عن تحقيق أهدافها رغم كل ما تعرّضت له من محاربة وظلم ورفض من قبل شريحة واسعة من المجتمع، إلّا أنها في الوقت ذاته كانت وستبقى منارةً لشريحة أخرى.

كل التقدير والاحترام لأيقونة نضال وإصرار عاشتها الراحلة مؤكّدة أن لا شيء يقف أمام إرادة النساء إن هن أردن.

سلام لروحك ولترقدي بسلام!

العدد 1102 - 03/4/2024