ماذا عن وعود المسؤولين بدعم الزراعة؟!
محمد علي شعبان:
في كل مرة أسمع فيها عن ارتفاع أسعار لمادة ما، أكتشف أنني كنت أبيع الوهم لمن حولي، فخلال عشر سنوات وأنا أطمئنهم وأزرع عندهم الأمل بأن الفرج قريباً آتٍ لا محالة.
لكنني لم أعد أستطيع فعل ذلك.
ما دمت قد أصبت بالإحباط واليأس من قبل الجهات الحاكمة لعملية إدارة الموارد المنتجة والمستوردة، لذلك أعلن فشلي، وهزيمتي، وإقراري بأنني كنت أبيع الوهم لمن حولي، بنيّة سليمة، دون قصد الإساءة لهم.
وأعلن أسفي، لأن الغالبية العظمى من بلادي أصبحوا يشعرون بأن المركب بدأ بالغرق، بعد أن أصبح غالبيتهم يحلمون بقرص الشنكليش، أو زبدية اللبن، أو حتى صحن العجّة.
وأشعر بالخوف عندما أرى العدد الكبير من الشباب لا يجدون عملاً لهم. ويزداد خوفي كلما سمعت أن في الشارع الفلاني انسرق محل، أو دراجة نارية، أو أي شيء آخر.
لقد كتبت عدة مقالات في السابق، تحدثت فيها عن الأمن الغذائي وضرورة العمل على تحقيقه، ما دام لدينا إمكانات فعلية تساعدنا في ذلك، إذا توفرت الإرادة عند أصحاب القرار.
والسؤال:
ماهي الأسباب التي تمنع رجال الدولة من دعم الزراعة، والقائمين عليها، عوضاً عن حصارهم وتجويعهم، وجعلهم ملحقين بتجار الأزمات والمرابين، في تأمين تمويل ما يلزم من بذور وأسمدة وأجور فلاحة وملحقات أخرى.
منذ عشر سنوات والمحطات الفضائية تستقبل المسؤولين، من وزارة الزراعة، وهؤلاء يقدمون الوعود للفلاحين بالدعم، كجرعة من المسكنات، يزول مفعولها بعد ساعات، عندما يسمعون خبراً عن غلاء مادة نفطية ستزيد بحصارهم.
مفهوم لدى جميع المواطنين أن الأراضي السورية تتمتع بخصوبة عالية لا مثيل لها. ومعروف أيضاً أن مناخها المعتدل يساعد في زراعة كل ما يلزم وتحتاجه ضرورات الحياة.
ولن أبوح بسرّ إذا قلت إن عصب الزراعة في بلادي مرتبط بشكل رئيسي بتوفير مادة المازوت، التي تعمل عليها جميع الآلات الزراعية، من جرارات للحراثة، والنقل، وحصادات لجني المحصول، ومحركات الديزل التي تستخدم في نضح المياه من الآبار الارتوازية من أجل السقاية.
ولن تكون الثروة الحيوانية بخير، ما دامت الزراعة ليست بخير.
والأمن الغذائي يتحقق من الزراعة، ومن الثروة الحيوانية، وليس من السيارات الفارهة والتبغ والأراكيل.
إن الاعتماد على القروض والمساعدات والهبات جعل المواطن السوري كسولا، وأبعده تدريجياً عن الحماس للعمل المنتج، في ظل قوانين السوق الجائرة، التي ساعدت في تجويع المنتجين الذين يعملون بالقطاع الزراعي، وساعد من يعمل في قطاع الخدمات والتجارة، وخاصة المحتكرين والسماسرة.
هل يعقل أن تكون عمولة السمسار لمبيع بيت أو سيارة، تساوي راتب موظف لمدة سنة كاملة؟!!
أو تكون بمعدل إنتاج أربعة دونمات من الأراضي الزراعية، لمدة سنة كاملة أيضاً؟!!
وهل يعقل أن يكون ثمن الكيلو الواحد من زيت المحرك يساوي، ثمن الكيلو من زيت الزيتون، أو ثمن كيلو العسل؟! وهل يعقل أن يصبح سعر كيلو علف الحيوانات أغلى من سعر كيلو القمح، علماً أن الأعلاف تُصنع من بقايا الحبوب والبقول وفضلاتها الرديئة.
العديد من الأسئلة لا تحتاج إلى أجوبة فقط، بل تحتاج إلى إجراءات فعلية تخفف من الكارثة التي يعيشها المنتجون في بلادي.
إن الإهمال المتعمد للقطاعات الإنتاجية غير مفهوم وغير مبرر.
أغلب المهتمين بالشأن العام يعرفون أن دعم الزراعة يعني تحقيق الاكتفاء الذاتي كحد أدنى، والاستغناء عن الاستيراد من دول الجوار. وهل يعقل أن تستورد سورية القمح والذرة والبصل والبطاطا والخضار من خارج الحدود، رغم أنها كانت تصدّر عدة مواد إلى دول الجوار؟!
إن دعم الزراعة يؤمّن متطلبات الثروة الحيوانية من أعلاف وتأمين مادة الصويا الأساسية للفروج الذي أصبح حلماً للأسرة السورية.
كما يعني إعادة زراعة القطن السوري الذي يتميز بجودة عالية، وإعادة تشغيل الصناعات الزراعية، التي تعتمد على الإنتاج المحلي.
هل يعقل أن يتجاوز ليتر الزيت الواحد المصنّع من بذور عباد الشمس، أو الذرة، أو الصويا عشرة آلاف ليرة، والأراضي السورية التي يمكن أن تنتج ملايين الأطنان من هذه المواد تبقى دون زراعة بسبب غلاء مادة المازوت وعدم توفرها؟!
لذلك نطالب جميع المعنيين بأن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية، في دعم القطاعات الإنتاجية وخاصة الزراعة، ما دامت تؤمّن الشروط الأساسية للحياة، وتوفر فرص العمل لشريحة واسعة من المجتمع السوري تعيش حالة بطالة.
إن عودة القطن السوري إلى معامل الغزل والنسيج وإنعاش الحركة الصناعية والتجارية يشكل سنداً حقيقياً لحياة المواطنين السوريين.
إن تأمين مادة المازوت للآبار الارتوازية بأسعار رخيصة يضاعف الإنتاج عدة أضعاف خلال السنة الواحدة.
إن القطن وفستق العبيد، وفول الصويا، والذرة الصفراء، وعباد الشمس يمكن زراعتها بعد محصول القمح والشعير مباشرة، في حال توفرت المياه اللازمة، المرتبطة بتأمين مادة المازوت.
بيد أن باستطاعة الدولة، إذا كانت جادة في دعم الزراعة، تأمين عدد من ألواح الطاقة الشمسية، تقدّم على شكل قروض للفلاحين، ومساعدتهم بتأمين شبكات الري الحديثة بعيداً عن جشع تجار الأزمات.
وليس صعباً على المعنيين ضبط توزيع الأسمدة لمستحقيها عوضاً عن شرائها من السوق السوداء الجائرة.
أعتقد أن الاعتماد على الذات ومحاولة دعم الزراعة والصناعات الزراعية، وإضافة العديد من المعامل من أجل الحصول على زيت الذرة والصويا، وعباد الشمس، يجعلنا نواجه الحصار بقوة، ونعتمد على تطوير قدراتنا الصناعية، ونحول الحصار إلى فرصة حقيقية، من أجل مواجهة أعدائنا باعتمادنا على مواردنا التي تكفي كامل احتياجاتنا.