عائلاتنا إلى أين تسير؟!

ريم داوود:

نعيش في زمان ملئت دروبه بالذئاب المفترسة: غدر، خيانة، جوع، وحرمان، وقافلة الأسرة تسير بمفردها! لكن إلى أين المسير؟ بيوت هجرها الحب والحنان وأفقدتها الأجهزة الذكية روح التواصل والتناغم، كل فرد فيها مستقل منعزل عن الآخر، متصل بعالم صمّمه وفصّله كما يروق له. حرب طاحنة أرغمت الناس مكرهين على طرق أبواب الهجرة ملزمين على التآلف مع مجتمعات باتت الملاذ لهم، مجتمعات سكبت ما لديها من عادات وتقاليد ومفاهيم لم نعتد كأسر شرقية الخوض في غمارها. فرضت الهجرة الخارجية نفسها على العالم الشرقي وخاصة الدول النامية الشيء الذي دفع الباحثين إلى إجراء دراسات أكاديمية تتعلق بظاهرة الهجرة وانعكاساتها في بنية أسرة المهاجر ووظائفها.

لقد مثلت الهجرة على مر الزمان قناة تواصل وتفاعل بين البشر، فكانت السبيل للانفتاح على الآخر، لكن إذا ما أمعنا النظر في معناها بشكل أعمق وأدق تبين لنا أنها تعني أكثر من مجرد انتقال من مكان إلى آخر.

تعد الأسرة وحدة اجتماعية ومؤسسة تتألف من الأبوين والأبناء، ومجموع تلك الأسر يكون نسيج المجتمع لبلد معين، وتسهم هذه الأسرة في يناء ثقافة أفرادها وشخصياتهم، وأي حركة هجرية لأحد أفرادها تؤثر على بنية هذه الأسرة. ومما لا شك فيه أن حركة الهجرة التي شهدها مجتمعنا في الآونة الأخيرة أثرت بشكل كبير على الأسر المهاجرة، مما جعلها عرضة للوهن والضعف والاضطراب.

منذ بداية الحرب ونحن نشهد أشكالاً مختلفة للهجرة منها الجماعية أي مجموعة من العائلات، ومنها الفردية وحتى تلك الفردية اتخذت أشكالاً عدّةً، فبتنا نشهد هجرة أسرة كاملة أو هجرة أحد أفرادها قد يكون الأب، الأم، أو أحد الأبناء في حال لم تتيسر هجرة الأسرة بآن واحد. وبالنظر إلى آلية الهجرة والطريقة التي اتبعتها الأسر مرغمة نجد إشكالية كبيرة فرضت على واقع الأسرة، فغياب الأب أو الأم عنها أدى إلى اهتزاز كيانها الذاتي، وخلق فجوة كبيرة متمثلة في غياب السلطة الأبوية أو الرعاية الأمومية، والخلل الحاصل على صعيد الأسرة، مما دفع في كثير من الأحيان إلى انفصال الوالدين لأسباب كثيرة منها: انطلاق الزوجة إلى عالم جديد من الحقوق، غياب السلطة الذكورية أو التخلص منها، اكتشاف عيوب بعضهم البعض نتيجة الجلوس لفترات طويلة دون عمل، البحث عن شريك آخر، فضلاً عن الصراع والمشاكل الناشبة بين الزوجين المهاجرين نتيجة اختلاف القيم والعادات والأعراف السائدة بين مجتمع وآخر ومحاولة المرأة التحرر من طغيان الرجل وسيطرته، انفتاح الأبناء على ثقافات مغايرة للتي تربوا عليها، مما فرض نوعاً من الصدام بين الآباء والأبناء تجلّى في حالات من التمرد والهجر للعيش بمفردهم، كلها آثار شهدتها الأسر المهاجرة، لكن ذلك لا ينفي أنها كانت السبيل لكثير من العائلات بلغت من خلالها حاجياتها وأشبعت دوافعها.

وفي خلاصة الكلام يبقى مضمار الهجرة موقفاً نسبياً، فرغم ما أحدثته في حياة الأسرة من نجاحات ومكتسبات استفاد منها كل أفراد أسرة المهاجر إلا أن هذا لا يخفي الأزمة التي أحدثتها في كيان الأسرة من تصدع لكثير من العلاقات العائلية وانهيارها، وانحراف الأحداث فيها.

العدد 1102 - 03/4/2024