نقص أم (خيار وفقوس)؟!
رمضان إبراهيم:
يتفق الجميع على أن الحصار الجائر والعقوبات الظالمة واستمرار احتلال بعض المناطق من بلدنا يتسبب بنقص كبير في الموارد والمواد والسلع الغذائية والاستهلاكية الضرورية، ويتسبب بتراجع كبير في مستوى الخدمات التي يحتاجها المواطن في معظم المجالات.. ويزداد الوضع صعوبة وقساوة مع الارتفاع المتزايد واليومي في أسعار معظم السلع الأساسية، ما يزيد من حجم معاناة المواطن العادي وزيادة العجز والقصور في ميزانية أسرته وفي تدبير وتلبية المتطلبات المعيشية الأساسية..
وبالتأكيد يصبح هذا الواقع مؤلماً ويزداد صعوبة ومرارة حينما تفشل الجهات المعنية في إدارة الكميات المتاحة (المحدودة) وعدم توزيعها بشكل عادل ومنصف بما يضمن حصول المواطن على حصته المستحقة من الكميات المتوفرة (المدعومة) أو المقننة وهذا بطبيعة الحال حق له وواجب على الدولة أن تؤديه بكل أمانة وحرص. ورغم توفر العديد من الوسائل المساعدة لضمان حسن التوزيع إلا أن نهج الاستنسابية والتمييز لايزال نهجاً مستمراً في العديد من الجهات العامة، وهذا ما نلمسه على أرض الواقع بشكل فاضح في كثير من الأحيان وبشكل غير مقنع وغير مبرر.. والأمثلة كثيرة من حولنا.
ففي وزارة التجارة الداخلية مثلاً، ورغم نجاح الوزارة في التطبيق الجزئي للبطاقة الإلكترونية ونجاحها في تخفيض حجم فاتورة الدعم للرغيف وتخفيض الهدر والفساد المرافق، إلا أن هذا النجاح لا يزال منقوصاً بسبب القصور وسوء الإدارة الخلل في توزيع كميات الطحين الموجودة ما بين المحافظات والمناطق وما بين الأفران ضمن المنطقة الواحدة، ما يؤدي إلى عدم حصول المواطن في هذه المناطق على مخصصاته، بينما تنعم مناطق أخرى بحصة وافرة من المادة ولا يطولها أي تخفيض في الكميات، وطبعاً هنا يظهر (الخيار والفقوس) والتمييز واضح ولا يحتاج إلى دليل أو برهان.
الأمر الآخر أيضاً هو موضوع الزيت الذي أعلنت الوزارة عن توزيعه عبر البطاقة الإلكترونية في صالات السورية للتجارة.. ورأينا أنه جرى توزيع كميات منه على مناطق وحرمان مناطق أخرى منه بسبب النقص في الكميات الموجودة، وهنا الأمر يتعلق بسوء إدارة وتوزيع المتوفر –كما ذكرت-. والأمر نفسه ينطبق أيضاً على الرز والسكر الذي حُرمت الكثير من الأسر منه خلال التوزيع في الشهرين الماضيين لأسباب متعددة تتعلق بعضها بخلل في وصول الرسالة للمواطن -كما تقول الوزارة- ولكن هذا التبرير منقوص ويحتاج للتحقق والمتابعة أكثر.
ومن الأمثلة الأخرى ايضاً على الاستنسابية والتمييز في إدارة نقص المواد وسوء توزيعها ما يتعلق بتوزيع مادة مازوت التدفئة بين المحافظات والمناطق، وأيضاً ضمن المنطقة الواحدة.. ففي الوقت الذي شهدت فيه بعض المناطق توزيع ٢٠٠ ليتر للأسرة الواحدة في بعض المحافظات، نجد في المقابل غالبية الأسر في محافظات أخرى لم تحصل على أي كمية، وفي بعض المناطق جرى توزيع خمسين ليتراً للأسرة في أحسن تقدير، مع العلم أنه لم يتم الالتزام بخطة التوزيع العادل لجميع المناطق الباردة التي أُعطيت الأولوية.
وفي موضوع الكهرباء أيضاً تبدو الاستنسابية واضحة والتمييز (على المكشوف) ما بين المحافظات وأيضاً ضمن مناطق المحافظة الواحدة.. وطبعاً ودائماً لدى الوزارة رغبة في منح حصة دلال إضافية لأبناء المدن وسكانها على حساب سكان الأرياف.. والحديث يطول عن أمثلة بمثل ما تطرقنا إليه آنفاً في قطاعات أخرى.
ما نود التأكيد عليه هنا، أن الجميع يتفهمون حقيقة الظرف الصعب الذي نمر به جميعاً أفراد وحكومة ودولة بشكل عام.. والجميع يتفهمون موضوع النقص، ولكن التعامل بمبدأ خيار وفقوس هو مالا يفهمه المواطن.