تختلف المُسمّيات وتبقى الخيانة أبشعها
وعد حسون نصر:
مواقف كثيرة حملت في باطنها مفهوم الخيانة، ولعلّ أهم هذه المواقف إفشاء الأسرار، ونكث العهد، وفقدان الثقة، والتشهير والابتزاز، وهذه كلها مواقف تجتمع لتُشكّل الخيانة بأبشع صورها، وخاصة بين طرفين متحابين رغم أن الخيانة لا تنحصر فقط في الحب بين عاشقين، ولا في العلاقة الزوجية بين الزوجين سواء بالجسد أو الفكر، إنما تكمن في خيانتنا لذاتنا قبل الجميع عندما نستهين بمشاعرنا ونوظفها في المكان الخطأ، ونمنحها للأشخاص الخطأ. كذلك عندما نخون أسرتنا وخاصة الأم والأب، عندما نفشل ونعكس صورة مغلوطة عن أسرتنا خارج المنزل، ومثلها خيانتنا لعملنا بالإهمال والتكاسل وأخذ مكافأة دون جهد منّا أو تعب، وهنا لا نكون قد خنّا عملنا فقط، بل خنّا أصدقاء العمل باستغلال جهودهم لصالحنا. أيضاً خيانة الجيران الذين نقوم بمراقبتهم وإفشاء أسرارهم متجاهلين أننا يفترض أن نحفظ سرَّ جارنا القريب لأنه خير من يعرف بيتنا ونعرف بيته وكما قيل في الأمثال: (جارك القريب خير من أخيك البعيد). وبالحديث عن الخيانات لا يمكن أن نتجاهل خيانة الأخ الذي تربينا معه تحت سقف واحد من بطن واحد، أكلنا وشربنا معاً، جمعتنا الأتراح والأفراح، جمعنا فراش واحد وغطاء واحد، فكيف يمكننا أن ننسى هذه التفاصيل ونخون هذه الذكريات لمجرّد بلوغنا مكاناً لم يبلغه أحد إخوتنا. ولعلّ أكبر الخيانات وأفظعها هي خيانة الوطن، فمن لا وطن له لا يمكن أن تكون له كرامة، فالوطن يمنحنا كرامة، يمنحنا سكناً، يمنحنا دفئاً، يمنحنا هوية تثبت وجودنا. وعند الحديث عن الخيانة بكل ما تحمله من مفاهيم علينا أن ندرك حجم الآثار السلبية الناجمة عنها، وخاصة في نفوسنا، إذ تجعلنا نفتقد ثقتنا بأنفسنا وبمن حولنا، ودائماً نخشى من أيّة علاقة جديدة خشية أن تفاجئنا المواقف بأشخاص أكثر سوءاً من الذين كنا نظنّهم أصحابنا. كذلك الآثار السلبية في المجتمع التي تعكس تصدّعاً في علاقاته الاجتماعية، وانعدام الثقة بين أفراده واستغلال طيبة البعض لأهداف شخصية، ولا ننسى آثار الخيانة على الدولة، وخاصة عندما تنطلق جالياتها في العالم لتمثّل هذه الدولة في تبوّؤ منصب ما. ويبقى هناك إشارات تعجب حول الوافد منها تحت ذريعة من خان بلده لا يمكن أن يبخل بالخيانة على غيرها.
وعليه، لا يمكن أن توصف الخيانة لشدّة بشاعة لفظها، فهي تجسيد بشع لكل المواقف التي تحمل معها الخسّة والنذالة، وأكثر ما تحمله هو انعدام الثقة بالمطلق، وما أدراك ما معنى أن تفقد الثقة بكل شيء جميل حولك لمجرّد موقف بشع جسّده شخص أكثر بشاعة من الموقف ذاته، فلا ضرر أن نقي أرواحنا من الخيانة بالحب والمحبة، فالحب خير علاج لأمراض الروح، وعندما نُطهّر أرواحنا من رجس الخبث بعبق الحب تفوح منها أعمالنا الممزوجة بالخير ونعكسه على من حولنا.. فخير بداية لكل علاقة مشروعة بين الناس أجمع تكون من علاقتنا بأنفسنا أولاً، وبقدر ما نحب ونحترم أنفسنا، نتجنّب تشويه جمال أرواحنا، ونكسب ودّ من حولنا، وإذا كانت الخيانة عدم الثقة وملامحها البغض والكراهية، فلنجعل الحب سفيرنا لمن حولنا فيكون جواز سفرنا للإخوة والجيران والأصدقاء والعالم أجمع، وهنا نقضي على بشاعة الخيانة بالصدق والمحبة. لذا علينا أن نعكس تجاربنا على أطفالنا منذ طفولتهم ونخبرهم أن أول خيانة يمكن أن يرتكبوها هي إفشاء سرّ من حملهم سرّه للأهل والأصحاب لمجرّد خلاف بسيط باللعب، لذلك يجب أن نحتفظ بالسرّ إذا لم يكن مؤذياً، لكن أيضاً علينا التمييز ما بين إخفاء الأسرار الطبيعية، وبين الأسرار المؤذية بين الأصدقاء لأنها هنا خيانة لا يجب ارتكابها من منطلق الثقة. فمن هنا علينا أن نجعل أنفسنا قبل أطفالنا قادرين على التمييز لندرك معنى الخيانة بشكل واضح كي لا نخون دون قصد.