هل الشروط مناسبة لإعادة طرح موضوع وحدة الشيوعيين؟ وكيف يمكن استغلالها؟
محمد علي شعبان:
كتب العديد من الرفاق والأصدقاء في الجرائد، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، عن الضرورة القصوى لوحدة الشيوعيين السوريين. وقد نشرت عن هذا الموضوع عدة مقالات وبعض المنشورات في السنوات السابقة. وقد تبين من خلال التفاعل والتعليقات، أن جميع الرفاق الشيوعيين يرغبون بتوحيد جهودهم في حزب واحد.
لكنهم لم يستطيعوا فعل أي شيء لتحقيق أمانيهم، ما دامت قيادات الأحزاب لا ترغب بذلك.
ومن دون البحث والتحليل عن أسباب عدم رغبتها بالتوحيد، يجب العمل على تشكيل قوة ضغط رفاقية تجبرها على عدم إعاقة قيام وحدة بين الفصائل الشيوعية.
وجميعكم يعرف أن الرغبات لا يمكن تحقيقها بالتمنيات والدعاء.
وعندما ترغب مجموعة في حزب من الأحزاب بالعمل على تحقيق ما تريد، فإنها تجد العقبات جاهزة من قبل قيادات الحزب.
لا بدّ من الحديث بصراحة وشفافية في هذا الموضوع، دون حساسية ولا انفعال.
إن إصلاح أي خلل يحتاج إلى دراسة أسبابه ومعالجتها. ومن ثم البدء بتذليل العقبات التي تحول دون إصلاحه. ثم تبدأ عملية الإصلاح.
رغم أنني لست عضواً في أي حزب سياسي إلا أنني حزين وحزين جداً على حالة الانقسام والتشظي الذي تعيشه الأحزاب الشيوعية في سورية، وحزين أكثر على ثقافة الأحزاب المنقسمة في الدفاع عن نفسها، بتبرير ثقافة الانقسام واعتمادها كنهج، وهي تعتمد لغة بائسة ومتخلفة لا تختلف كثيراً عن لغة الطوائف والعشائر، وثقافة بيت الطاعة والابن الضال.
ودون اتهام لأحد أو تحميل المسؤولية لفصيل محدد، أقول ويشاركني العديد من رفاق الحزب: إن ما حصل من انشقاقات، كان خطأ حقيقياً تتحمل مسؤوليته قيادات الأحزاب في تلك المرحلة.
لكن بعد ان غيب الموت بعضهم، بات من الواجب معالجة هذا الخطأ الذي امتدت آثاره لجيل بكامله.
ومن يدعي الحرص على وحدة الشيوعيين عليه أن يتحمل مسؤولياته ليس بالكلام فقط، وعليه أن يعمل بكل جدية من أجل ذلك الهدف النبيل، وليس كما فعل الرفاق قدري جميل والمرحوم منصور الأتاسي، عندما أتحفونا بمشروع لوحدة الشيوعيين، وبعد فترة قصيرة شكّلوا انشقاقاً جديداً، ولم يتأخروا حتى شكل كل منهما حزباً خاصاً به.
المطلوب هو العمل بجدية باتجاه الوحدة، لكن ليس بعقلية الشخصيات التي صنعت الانشقاقات.
الحزب، يا رفاق ويا أصدقاء، ليس غاية، هو وسيلة لتحقيق غاية. والمطلوب تجديد الوسيلة وتطويرها بشكل دائم. لذلك لابدّ من تطوير الحزب ونقله من حالة التموّت، إلى الحياة، ودعمه بأجيال جديدة يمدّهم ويحتضن طاقاتهم وحيويتهم.
هنالك حقيقة لابد من الاعتراف بها، يعرفها معظم رفاق الحزب، لكن لم يصرح بها إلا في الغرف المغلقة، وهي تؤكد قناعتهم بعدم وجود أسباب جوهرية، تستدعي الانقسام ولم ينقسم الحزب بناءً على رضا القواعد ورغبتها.
لقد حصل الانقسام الأول والثاني والثالث والرابع بسبب قيادات الحزب والمصالح الضيقة، ودون الاعتراف بذلك لا يمكن المعالجة والوصول إلى مشتركات.
إذاً المشكلة في القيادة، لا في القواعد.
فكيف تحل المشكلة؟
هذا ما يجب البحث فيه وفي كيفية معالجته. وأعتقد أن جميع المتابعين يعرفون كافة التفاصيل، وخاصة الموجودين خارج التنظيم الآن، ويعرفون كيف حصل وماهي الأسباب التي استوجبت الانشقاق، ولديهم وجهات نظر تفيد في تذليل العقبات التي تمنع الاندماج.
وما دام الانقسام أو الانشقاق حصل أكثر من مرة فلا بدّ من الاعتراف أن منصب الأمانة العامة واحتكار السلطة هو السبب الرئيسي في الوصول للمشكلة.
فمن يعتقد من الرفاق أن بمقدوره معالجة موضوع الوحدة، دون حل مشكلة الأمانة العامة والمناصب القيادية بشكل جذري، فكأنه ينفخ في قربة مفتوحة.
لقد عاشت بعض الأحزاب تجربة القيادة الجماعية ودون منصب الأمانة العامة، ونجحت وحققت تقدماً ملموساً في زمن كان المنتسبون الجدد يتوافدون للارتباط بالتنظيم بالعشرات، حين كانت الاعتقالات لكوادر الحزب بالعشرات أيضاً.
لذلك أقترح:
1-توقف منصب الأمين العام لمدة خمس سنوات في جميع الاحزاب الشيوعية، وتشكيل قيادة مشتركة من اللجان المركزية للأحزاب التي تدعو للوحدة يُتفق على اختيارها سواء بالانتخاب أو بالتعيين.
2-تشكيل لجنة متابعة مشتركة من جميع الفصائل التي ترغب بالوحدة، تعمل على:
أ-تهيئة الأجواء لفتح حوار واسع يحضره كل من يرغب بالمشاركة.
ب-دعوة عامة لجميع الرفاق الذين غادروا الأحزاب ولديهم تحفظات ومازالوا يعتبرون أنفسهم شيوعيين.
ج-دعوة بعض القيادات أصحاب التجارب السابقة كمراقبين، ومساهمين بتدوير الزويا من أجل تذليل العقبات وتحقيق مزيد من التوافقات.
د-وضع برنامج مرحلي لإدارة الحوارات وتقديم الخطط اللازمة لاستمرارها، بغية الوصول إلى المرحلة الجديدة التي يتم فيها اختيار قيادة جماعية، لمرحلة انتقالية لا تتجاوز السنة، تأخذ على عاتقها مهمة إنجاز رؤيا استراتيجية ودور الحزب فيها، من أجل وضع برامج مشتركة تناقش مع الجميع لتُعتمد وتبدأ مرحلة جديدة.
وفي الختام
لابدّ من التأكيد على أن اسلوب التفكير الذي قاد الحزب للانشقاق، ليس بمقدوره قيادته للوحدة.
لذلك يجب البحث عن رفاق يتميزون بالكفاءة والقدرة والمرونة، بغية إنجاح هذا العمل النبيل.
وأعتقد جازماً أن الوقت مناسب جداً من أجل الإقدام على هذه الخطوة، وأنا على ثقة من أنه إن لم تنجز الوحدة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها سورية، فلن تنجز في المستقبل.
لذلك أتمنى على جميع الرفاق تحمّل المسؤولية والعمل بجدية من أجل إنجازها.
فأن تأتي متأخراً خير من عدم مجيئك أبداً.