أسماء لمعـت في زمن ضاعت فيه الحقيقة
وعد حسون نصر:
بتنا نرى طبيباً ومحامياً ومهندساً وسياسياً وشاعراً وأديباً في كل مكان وكل زاوية من زوايا الإنترنت وخاصة مع تضخم العولمة، وهم لا يستحقون إطلاق أي لقب أو حتى أي تعليق إيجابي، فهذا طبيب بلا شهادة والأضواء تتراقص حوله والصفحات في وسائل التواصل تضجُّ بنجاحات طبيبنا الماهر دونما أي جهد أو حتى تعب، والأسئلة تنهال من كل صوب وحدب عن دوائه ومدى مفعوله وهل هو الشراب السحري! ومع مباركات وشهادات خبرة وألقاب، أتت كلها للأسف من الهواء، فطبيبنا بعيد كل البعد عن شهادة الطب، فلا قسَمٌ أقسمه أمام معلمه أبقراط، ولا اختصاص أفنى العمر سعياً وراء نيله، كل ما قدمه فقط صفحة زرقاء عبر وسائل التواصل وكتب في رأس الصفحة طبيب، وبدأ يرشدنا بالطاقة والتأمّل، وبين الحين والحين بمنشور طبي عن شراب عشبي إذا لم ينفع فهو لا يضرّ، وهنا غدا سيّد الحكمة وخير الأطباء!
هذا جانب من استغلال الألقاب في مهنة كرّس أصحابها العمر ليكونوا ملائكة رحمة للبشرية، فيأتي دجّال ويوهم ضعفاء النفوس بأنه مختص وأنه لا مرض يقف عند خبراته! ولم يتوقف نصب البعض لسرقة الألقاب عند مهنة الطب، فكم من شاعر وأديب صدّرتهم لنا مواقع التواصل والصفحات الإلكترونية وجعلتنا نرى، ما يطلقون عليه اسم شعر وقصة، والأكثر غرابة أن أدباءنا وشعراءنا هم من الحاصلين على جوائز في مسابقات أدبية، مع العلم أنهم لا يميّزون الفاعل من المفعول به، لكن الداعم هو الواسطة والمصلحة، والمفتاح للفوز هو التملّق والمبالغة بالمواقف الوطنية، والتأييد لكل شيء كسباً للرضا والحصول على منصب أو لقب، تراهم باتوا يتصدرون وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وباتت لغة المال تتكلّم بدلاً من لغة الأدب، ليسقط الأدب بهاوية الألفاظ المبتذلة والكلمة الركيكة، فلم يعد للشعر استعاراته، ولم تعد للقصة حبكتها، وصرنا نرى سجعاً بدلاً من متعة اللغز، وشرح المفردات، ولم نعد نسمع موسيقا تقطيع الشطر، والعجز، وبدلاً أن تسطع القصيدة، وتطفو على بحور الشعر، غرقت وسقطت في مستنقعات الثرثرة والتهريج فعمَّت السذاجة بالفكرة، بدل طواف الشعر بالعبرة، ولا ننسى لقب دكتور الذي يطلقه البعض على الصيدلاني طبعاً مع الاحترام والتقدير للصيدلاني، لكن الطبيب حصل على لقب طبيب بعد دراسة سنوات واختصاص وتعب، ومهنة الطبيب تختلف كليّاً عن الصيدلاني، لذلك علينا التمييز وتقدير تعب كل شخص، إذ بتنا في الآونة الأخيرة نرى تعدّيات كثيرة على الألقاب، فبدلاً من أن نحدَّ من سوء استخدام لقب ( دكتور) ونحصره بمن يحمل الدكتوراه، ونسمي الطبيب طبيباً والصيدلي صيدلانياً ونؤكّد على هذا في المخاطبات والإعلام لتصحيح نطق العامة، وجدنا أنفسنا نتحوّل إلى ما هو أكثر خطورة، وبدأنا نستخدم ونطلق كلمة ( بروفسور) على الشخص العادي بأي مهنة، متجاهلين أن هذا لقب أكاديمي علمي بحت يفترض أن لا يخرج من أروقة البحث العلمي، وللأسف هذا اللقب الرنّان راق للأطباء، حتى الطبيب الذي كان آخر عهده بالجامعة عندما تخرّج بتقدير مقبول أصبح يدّعي أنه بروفسور، ثم استغلت المستشفيات اللقب في دعاية واضحة لأطباء العقم وأمراض النساء والولادة ثم التجميل.. ولن أستغرب لو قيل (الحلاق البروفسور) فلم تتوقّف مشكلة الألقاب عند طبيب أو صيدلاني أو حتى شاعر وأديب، بل طالت القانون والمحاكم، إذ أصبح مُعقّب المعاملات مع الاحترام يُنادى بحضرة المحامي أو الأستاذ، كما بات العامل في ورشة الحدادة والنجارة وإصلاح السيارات ينادى بالباش مهندس، والخبير الغذائي قلنا له طبيب، حتى المُنجّم أصبح عالم فلك وخبير اقتصادي، وضاعت الشهادات في زحمة الألقاب وكثرة المعارف، وسقطت بيوت الشعر بعد ضياع حرف الضّاد، حتى الطبيب أراد أن يصبح بروفسوراً، فلا عتب على جاهل إن أغرته الألقاب!