التغيير استحقاق طبيعي قادم.. لكن كيف؟

محمد علي شعبان:

 يحتجّ شخص ما في أسرة ما، أو تحتج مجموعة ما في مجتمع من المجتمعات على توزيع الثروة أو الامتيازات الخاصة، هذا يعني أحد احتمالين.

الأول: أن هناك خللاص ما، يدل على وجود ظلم يمارس على الشخص أو على مجموعة الأشخاص المحتجين.

الثاني: وقد يكون هناك طمع ما من قبل ذلك الشخص أو تلك المجموعة بتحسين شروط خاصة من موقع انتهازي.

وقد يكونون أدوات لأطراف خارجية، يعملون لصالحها.

هذا السلوك هو محطة اختبار حقيقية، للقوى أو للمؤسسات التي تتبنى معالجة ذلك الاحتجاج.

جميعكم يعرف أن لكل مجتمع من المجتمعات خصوصية بطرق معالجة الاحتجاج، مرتبطة بالعادات والتقاليد، والأعراف، لعدم وجود مؤسسات دولة حقيقية تعمل على تشكيل إطار جامع، تعالج قضايا كهذه.

لكن المجتمعات المتخلفة ومؤسسات البنية الفوقية، بشكل عام تعالج الاحتجاج بالقمع، بطرق وأساليب متعددة، دون أن تكلف نفسها البحث عن الأسباب التي اقتضت الاحتجاج، ما دام المحتج أو المحتجون ضعفاء، ولا حقوق للضعفاء، في المجتمعات المتخلفة.

ولا توجد في منظومة تفكيرنا كشعوب متخلفة، احتمال أن يكون المحتج على صواب.

لذلك تعالج الاحتجاجات بقوانين صارمة تسنها البنية الفوقية، لتثبيت سلطتها بالدرجة الأولى.

 وما دامت التشريعات، والعادات والأعراف الاجتماعية سُنّت من قبل الأقوياء، لإجبار الفقراء على الطاعة، دون اعتبار للأقلية العددية، متجاهلين عن قصد أن المتحكمين كانوا أقلية قبل وصولهم إلى السلطة، هذا يؤكد أن السلطة تمارس الظلم والقهر والضغط على الفقراء، ما دامت السلطة امتيازاً وليست مسؤولية.

فكيف تكون السلطة مسؤولية، فيتحول دورها من سلطة قامعة وتسلطية، إلى سلطة تعالج الاحتجاجات بطرق مسؤولة وعقلانية، ويصبح الاحتجاج على الظلم، أو على التهميش والإقصاء، حقاً من حقوق الإنسان المعترف بها، محلياً وعالمياً؟

لن يتحقق ذاك من دون وجود عقد اجتماعي توافقي جديد، يحدد التوجهات الأساسية للدولة داخلياً وخارجياً، ويقطع الطريق على التدخلات الخارجية، ويحدد فيه دستور توافقي ينظم العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للأفراد فيما بينهم من جهة، وبين الأفراد والدولة من جهة ثانية.

وينص الدستور على وجود هيئة تشريعية تأخذ على عاتقها وضع الدستور ومراقبة تنفيذه. ينبثق عن الهيئة لجنة قضائية تقوم بدور رقابي على السلطات التنفيذية ومحاسبتها في حال وجود أي تقصير.

بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد جلاء الانتداب عن معظم البلدان العربية، تشكلت الدول الحديثة، وأطلق عليها دول الاستقلال، وتكررت مقولة الاستقلال حتى أصبحت وكأنها كلمة مركبة مع كلمة الدولة.

إلا أن هذا الاستقلال كان منقوصاً، باعتبار أن السلطات الحاكمة التي حكمت بعد الاستقلال، كانت على علاقة وثيقة بالمحتل.

لذلك تشكلت الدول وفق رغبات الدول الاستعمارية، فكانت كلمة استقلال تردد دون معنى وكأنها لازمة تفيد ضبط إيقاعات الخطاب.

ودون الغوص بتلك المرحلة، التي نحصد ثمارها هذه الأيام،

لابدّ من خلق ونشر ثقافة جديدة، تركّز على المفاهيم، والمصطلحات، ودلالاتها، تجعل المواطنين على علم ودراية بكل مفهوم ومصطلح يخص الدستور والعقد الاجتماعي الجديد، كي لا تكرر أخطاء الماضي التي ندفع ضريبتها حتى الآن في معظم البلدان العربية.

هل يعقل أن جمهورية السودان مستقلة وليس بمقدورها استثمار أراضيها الزراعية كما تريد؟!

أي استقلال هذا وأية حكومة مستقلة هذه؟!

البلدان العربية أمام تحولات جديدة، شاءت أو أبت.

لقد تجاوزت الدول العربية عمرها الطبيعي، وليس بمقدورها الاستمرار كما كانت، فالتغيير قادم لامحالة، بفعل العوامل الخارجية، والتطورات العالمية التي حصلت خلال ثلاثة عقود من الزمن، وانعكاسها على مجمل دول العالم، بما فيها الدول العربية.

فهل سيتنبه القادة العرب إلى خطورة المرحلة، والعمل على إجراء تغييرات تساهم ببناء دول أكثر استقلالية، وأكثر ديمقراطية، وأقل قهراً واضطهاداً وإقصاءً وتهميشاً.

إن جميع الدول العربية مهددة بالتغيير، سواءٌ بعوامل خارجية، أو بعوامل داخلية، وكلما كان للخارج دورٌ في التغيير، أصبحت هذه الدول ضعيفة وهشة.

لذلك يتوجب على جميع الحريصين على أوطانهم الإسراع بإجراء التغييرات اللازمة، بعقلية تشاركية، مع جميع أبناء الوطن، وأن يقطعوا الطريق أمام التدخلات الخارجية التي تدمر الأوطان، ولنا في العراق مثال.

العدد 1102 - 03/4/2024