بيدرسون ومهمة اللجنة الدستورية
إبراهيم حداد:
لا شكّ أن الرهان على جنيف وجوﻻته خاسر في حل معضلة اﻷزمة الدستورية، التي يجب على الأطراف المشتركة فيها الاتفاق على دستور جديد مدني وحضاري متطور يتيح لسورية ولشعبها بكل مكوناته وشرائحه إمكانية العيش بسلام وعدالة، ويكون بمثابة القابلة التي تستطيع تخليص البلاد من مخاضها العسير، وذلك بولادة آمنة لدولة سورية جديدة تنفض عنها غبار الحرب الكونية التي فرضها عليها المتآمرون والحاقدون من كل أصقاع الأرض، دولة مدنية علمانية دستورية مؤسساتية ذات سيادة كاملة على أرضها وحدودها وثرواتها، دولة تمتلك قوة الحق والقانون التي تمكنها من تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع المواطنين السوريين من دون تمييز بناءً على الانتماء القومي أو الحزبي أو الطائفي أو الديني والمذهبي والعرقي …الخ، وتقف على مسافة واحدة من مطامح جميع مكونات المجتمع السوري الذي يمتاز بتنوعه الفسيفسائي الجميل، دولة تمنح لكل مكون فيها وكل مواطن بحسب مساهمته في تحقيق الناتج اﻹجمالي وخطط التنمية المقررة حسب مبدأ تكافؤ الفرص للجميع. وبما أن اللاعبين الرئيسيين المنخرطين بالأزمة السورية منقسمين على بعضهم وعلى ذاتهم ولديهم ما يفرّقهم أكثر مما يجمعهم، فإن الرهان على جوﻻت جنيف التي بلغت 5 جولات حتى اﻵن هو رهان خاسر، وذلك ﻷن كل طرف يعمل على تنفيذ تعليمات وأوامر الجهة التي يتبع لها ويتلقى منها شتى أنواع الدعم المادي واللوجستي.
وهنا ﻻبد أن نلحظ ونسجل نقصاً جسيماً في قوام اللجنة الدستورية ﻻ يمكن تبريره، وذلك باستبعاد تمثيل المعارضة الداخلية فيها من داخل الجبهة الوطنية التقدمية وخارجها، علماً أنه يوجد داخل هذه المعارضة الإيجابية شخصيات تمتلك اختصاصات علمية وقانونية ﻻ يمكن القفز من فوقها إﻻ إذا كان أمر ما في نفس يعقوب، ومع اﻷخذ بكل ما تقدم بعين الاعتبار نقول إنه ﻻ يمكن حل مسألة الدستور التي تقف اﻵن في عنق زجاجة اللجنة الدستورية ﻻ في جنيف ولا في ستوكهولم ولا في غيرهما خارج الجغرافية السورية أو دون ان تدخل اللجنة الدستورية بقوامها كفاءات وطنية مشهود لها ومعروفة، ويمكن أن يكون لها صوتها المرجح بإخراج دستور يليق بسورية العزيزة، مع العلم أن دمشق هي المكان الأكثر ملاءمة لبحث مسألة مصيرية كهذه.
لقد نفخت الدول الرأسمالية الأطلسية بقيادة الولايات المتحدة المتحالفة مع الكيان الإسرائيلي الصهيوني الجاثم على صدور الفلسطينيين وأعوانهم في المحيطين الإقليمي والعربي وكذلك بعض دول الجوار وخصوصاً النظام الأردوغاني في تركيا نفخوا جميعهم في نار الأزمة السورية الناتجة عن أخطاء جسيمة في طريقة إدارة الشؤون الاقتصادية والخدمية في سورية حصلت منذ عقود وأفرزت إشكالات تحتاج حلولاً مبتكرة تمنع المتآمرين والمتربصين من التدخل، وكانت نتيجة تلك اﻷخطاء وبعض المعالجات الخاطئة أن ظهرت بوادر أزمة حدثت على أثرها بعض التحركات التي أخذت في البدء طابعاً سلمياً وتحولت إلى أعمال عنف وتم قمعها بالعنف أيضا من بعض السلطات، الأمر الذي وفر الفرصة السانحة للمتربصين اللذين ركبوا الموجة الاحتجاجية وسلحوا المتظاهرين فتحولت الاحتجاجات التي حمل فيها المحتجون مطالب محقة بدايةً، إلى أعمال عنف وقتل وإهراق للدماء السورية استطاع ان يتخذها المتدخلون في الشأن السوري ذريعة مناسبة لتدخلهم بإسناد ودعم كل من له مصلحة بتدمير سورية.
ومما يجب اﻹشارة إليه هو أن النار التي نفخ فيها الغرب الإمبريالي ازداد أوارها ووصلت ألسنتها إلى بلدانهم وعواصمهم فتهافتوا عن طريق المنظمات الدولية كمجلس الأمن والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان المسيطر عليها أمريكياً لإيجاد حلول تمنع ارتدادات الأزمة السورية على بلدانهم، وذلك بعد أن فشلوا في إسقاط الدولة السورية عسكرياً، في ظل دعم ومساندة أصدقاء وحلفاء سورية في مجلس اﻷمن وغيره من هيئات المجتمع الدولي. ولقد شاهد الجميع كيف تعاملت الدول الأطلسية وأمريكا ذاتها بمنتهى القسوة والعنف مع الاحتجاجات والتظاهرات أمام عدسات وسائل اﻹعلام التي كشفتهم على حقيقتهم كألد أعداء الديمقراطية والإنسانية ورعاة للإرهاب والتكفير، لذلك فالرهان على جنيف هو رهان خاسر كما بينّا سابقاً، واللاعبون الرئيسيون ممالئون للمخطط الصهيو أمريكي اﻷردوغاني المعدّ مسبقاً لبلادنا ومنطقتنا عن سابق إصرار وتصميم وأرى بأن هؤلاء الحاقدين وعملاءهم من إمارات وممالك البترودولار عربان الخليج لم يتخلوا عن دورهم الخبيث الذي رسمه لهم حماتهم من وراء المحيط كعملاء للغرب الإمبريالي الاستعماري كل ذلك متفق عليه تماماً. ويبقى الرهان الأقوى والأهم ما يمكن تحقيقه في الداخل السوري والكيفية التي تدار وفقها السياسات الاقتصادية في أخطر وأعقد مرحلة وصلت إليها الأزمة في سورية منذ الاستقلال وأثر السياسات الليبرالية على مستقبل البلاد، تلك السياسات التي فتحت الفجوة التي وجد فيها كل المتآمرين والإرهابيين وكل زُناة الأرض ضالتهم، واستطاعوا التسلل منها لينفثوا سموم حقدهم في الجسد السوري ضد كل ما فيها من بنى تحتية ومؤسسات حكومية خدمية ورسمية، ودفعهم حقدهماﻷعمى لكي يجندوا ويحشدوا كل ما لديهم ولدى عملائهم وأدواتهم من وسائل وأموال ودعم لوجستي بهدف تحويل الدولة السورية عنوة إلى دولة فاشلة تمهيداً لإلحاقها بعجلة التطبيع الجهنمية.
وأعود للقول إن ما يجب فعله بالداخل السوري يحتاج إلى جهود جبارة ويستدعي حشد كل من له مصلحة في أن تبقى الدولة السورية صامدة سيدة موحدة الأرض والشعب وكل المخلصين من أبنائها داخل وخارج الجبهة أكانوا موالين أم معارضين والشروع بلا إبطاء في عملية اجتثاث جذور الفساد الكبير والصغير والالتفات إلى معاناة الشعب السوري ومطالبه، والبدء بمرحلة إعادة الإعمار، وكل ذلك بالتعاون والتنسيق الوثيق والجاد مع الأصدقاء الذين من مصلحتهم دحر الإرهاب والتكفير وتطهير التراب السوري منه بالتزامن مع تشكيل خلية أزمة حقيقية جادة وحازمة لمعالجة التشوهات الخطيرة التي لحقت بمختلف مستويات البناء الاقتصادي في البلاد والإقلاع عن السياسات التي اتبعتها الأطقم الاقتصادية للحكومات المتعاقبة.
وهنا يقع على عاتق الشيوعيين وكل القوى الديمقراطية والتقدمية أحزاباً وحكومات وهيئات مجتمع مدني وفعاليات ومنظمات شعبية ….الخ، وكل وطني شريف في سورية واجب فضح ومنع وإفشال جميع المشاريع التي يعدها المتآمرون والمتربصون بسورية وشعبها.