العملة الرقمية بين التجربة الصينية وآمال المصرف المركزي السوري

ريم الحسين:

بعد إصدار المصرف المركزي السوري لفئة نقدية جديدة بداية الشهر الحالي كشف مدير الأبحاث الاقتصادية في المصرف أن المصرف يحضر الإجراءات الخاصة بإصدار فئات نقدية أكبر من خمسة آلاف ليرة وطرح عملة رقمية.

ونقلت بعض المصادر عن مدير الأبحاث الاقتصادية بالمصرف المركزي، أن المصرف يأمل أن تخلص الدراسات إلى نتائج إيجابية بخصوص العملة الرقمية، حيث لم يسبق لأي مصرف مركزي طرح هذا النوع من العملة.

 وأضاف إن العملة الرقمية إنجاز سيحسب للدولة السورية، لأن الدول تعمل على ابتكار نسخ رقمية من عملاتها الوطنية بإشراف البنوك المركزية مثل الصين التي أطلقت اليوان الرقمي.

فهل سيكون لهذه العملة الرقمية جدواها على الاقتصاد السوري الذي يعيش حالة من التخبط وعدم الاستقرار وخصوصاً منذ بداية العام المنصرم، في الوقت الذي توقف فيه العمل على نظام أتمتة الحكومة ونظام المدفوعات الإلكتروني ضمن اقتصاد متردٍّ يريد القفز عن خطوات يحتاجها بالأصل للوصول إلى تغيير جذري في نظامه النقدي، إلى عملات افتراضية مازالت بنوك العالم تدرس إمكانية تطبيقها وتنتظر نجاح تجربة الصين الدولة الوحيدة التي طبقت وبشكل جزئي هذه الآلية!!

ففي أواخر نيسان الماضي، حققت الصين إنجازاً مهماً بعد أكثر من خمس سنوات من الأبحاث في مصرفها المركزي، أصبحت الصين أول اقتصاد رائد يجري اختباراً لعملة رقمية وطنية على أرض الواقع. يحصل هذا المشروع التجريبي في أربع مدن صينية كبرى، وهو مؤشر واضح على تفوق الصين في مجال تطوير عنصر محوري من الاقتصاد الرقمي العالمي، وبعد إعلان الصين بدأت سبعة بنوك مركزية عالمية دراسة تطبيق هذه التجربة أيضاً.

ذلك أن بنك الصين الشعبي، قد بدأ منذ عام 2014 في بحث وتطوير العملة الرقمية والعملة الرقمية للبنك المركزي. وبعد أن أطلقت منصة التواصل فيسبوك، عملتها الرقمية (ليبرا) في عام 2019، تحولت خطة العملة الرقمية (DCEP) التي طرحها البنك المركزي الصيني إلى محط أنظار دولية، في الصدد ذاته، وأصدر مجلس الدولة الصيني (خطة التنفيذ التجريبي للإصلاح الشامل بشنجن لبناء المنطقة النموذجية الرائدة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ٢٠٢٠_٢٠٢٥) والتي أكدت مرة أخرى على تطوير النقاط التجريبية لليوان الرقمي، ودفع البحث والتطوير والتعاون الدولي في مجال اليوان الرقمي، كما تأمل الصين كذلك عبر تدشين (اليوان الرقمي) وقف نزيف المليارات من الدولارات التي تهرب سنوياً من البلاد عبر مشتريات (العملات المشفرة). وحسب تقرير نشره موقع (بتكوين. كوم)، فإن نحو 50 مليار دولار هربت من الصين خلال الـ 12 شهراً الماضية. وتعد منطقة جنوب شرقي آسيا من أكبر أسواق العملات الرقمية، إذ بلغت حصتها نحو 31% خلال الـ 12 شهراً الماضية.

ومع ذلك، فإن تطوير العملة الرقمية في الصين يصطدم ببعض التحديات، لا سيما القلق الذي يبديه بعض الساسة الغربيين، والذي يصل أحياناً إلى نظريات المؤامرة. وترجع مخاوف بعض الساسة الغربيين من خطة الصين في تطوير العملة الرقمية إلى نقطتين: أولًا، الخوف من أن تؤدي العملة الرقمية إلى تدويل اليوان الصيني، مما سيكون له تأثير على نظام الدولار الأمريكي، وثانياً، الخوف من أن العملة الرقمية ستصبح عالمية وتجعل الحكومة الصينية أو الشركات الصينية تسيطر على بيانات المستخدمين الأجانب.

وقال كينجي أوكامورا أكبر دبلوماسي ياباني معني بالشؤون المالية في وقت سابق إن الصين تسعى للفوز بميزة الريادة في بناء عملتها الرقمية الخاصة، محذراً من أن (هذا أمر ينبغي أن نخاف منه)، فيما يقول بنك الشعب الصيني إنه سيعزز انتشار اليوان في عالم عملات يهيمن عليه الدولار.

ويقول معهد (أتلانتك كاونسل) في دراسة مشتركة مع جامعة هارفارد حول العملات المشفرة، إن الولايات المتحدة تفكر كذلك في إصدار (دولار رقمي). ولدى بنك التسويات الدولية الذي مقره في سويسرا، ويعد بنك البنوك المركزية، مشروع تجريبي لإصدار العملات الرقمية مع العديد من البنوك المركزية العالمية. وفي حال نجاح مشروع العملة الرقمية الصينية، فإن العديد من دول العالم ربما تنشئ عملات رقمية خلال السنوات المقبلة.

العملة الرقمية التي تطلقها البنوك المركزية هي ثورة تكنولوجية تعتمد على الاستفادة من قاعدة العملاء الكبيرة وبيانات الوقت الفعلي والتحكم في البنية التحتية الحيوية للتجارة والنشاط الاقتصادي من خلال الأسواق عبر الإنترنت إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الهاتف المحمول. ويمكن استخدام هذه المزايا لتقديم حلول دفع جديدة والتوسع في المعاملات المالية لتوسيع أنشطتهم المالية.

ويوجد نوعان من العملات الرقمية عالمياً، الأولى هي عملة رقمية تصدرها البنوك المركزية، وهو النهج الذى نفذته الصين وتدرسه دول كبرى خلال الفترة الأخيرة، أما النوع الثاني فهي العملات الرقمية التي تصدرها شركات مثل (ليبرا) التي أعلن عنها موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك.

ويجب التفرقة بين العملات المشفرة Cryptocurrencies والرقمية، إذ تعمل الأولى دون أي غطاء رسمي أو أي بنك مركزي مصدر لها، ويكون التعامل عليها عبر الإنترنت مستخدماً عمليات التشفير كحماية لها، حيث لا يوجد لها أي وسيط للتعامل، وعدد العملات المشفرة عالمياً يصل إلى 5 آلاف عملة.

ولكن الحكومات تسعى لمواجهة العملات المشفرة، وتحجيم دورها، ذلك أن البنك المركزي بموجب القانون هو الجهة الوحيدة التي تمتلك الحق في إصدار العملات الرقمية والرقابة والإشراف عليها. وأغلب التعاملات على العملات المشفرة يكون داخل الأسواق غير الرسمية مما يحمل نسب مخاطرة كبيرة تضر باقتصاديات الدول، لأن جزءاً كبيراً منها يتداول في الأعمال غير مشروعة مثل غسيل الأموال.

وبعد هذه الإضاءة على موضوع العملات الرقمية وتجربة الصين نجد أن طرح المصرف المركزي السوري قضية العملة الرقمية، بعد تهاوي سعر الصرف، وطرح حاكم المصرف المركزي باجتماع حكومي هذا الحل بقوله: (يحرص المصرف على مواكبة أحدث التغيرات التقنية في مجال العملات الرقمية، وكل ما يتعلق بالسياسة النقدية، رغم الظروف الصعبة والحصار الذي تتعرض له سورية) فيها تفاؤل حذر غير مدروس إلا إذا كان هناك نية من الدولة الصينية الصديقة للمساعدة في هذا الشأن وتقديم خبرتها وتجربتها، وهذا يحتاج إلى وقت طويل نسبياً حتى تصقل تجربتها الخاصة.

ويرى بعض الخبراء أنه يمكن استبدال العملة الرقمية ببطاقات الائتمان، فمن خلالها يمكن البيع والشراء والتحويل عن بعد، من دون الحاجة للورق النقدي أو المعدني، فهي تعتمد على شيفرات معينة تدلل على الرصيد وعبرها يمكن التعامل، ولكن القضية ليست بهذا النوع من العملات الرقمية، بل بالجهة المصدرة لها، بمعنى ما هي مصداقية المصرف المركزي اليوم وما هو مدى الثقة بالعملة السورية بشكل عام، ليتم الإقبال أو المجازفة بحسابات كبيرة عبر العملة الرقمية والتعامل بها؟!

إضافة إلى أن من يطرح العملة الرقمية، كالصين مثلاً، يكون لديه بنى تحتية ورصيد من العملات الأجنبية والمعادن، ليضمن ثقة الحيازة والتعامل بهذا النقد الجديد.

وتجدر الإشارة إلى أن الواقع الاقتصادي المعيشي بسورية لم يتبدل ولم يتغير للأحسن بعد تداول فئة الخمسة آلاف الجديدة، بل خسرت الليرة السورية الكثير من قيمتها خلال الأسبوع الماضي، فسجلت مع بداية هذا الأسبوع أدنى سعر لها منذ أن بدأت بالتراجع الكبير وخصوصاً بعد أزمة المصارف اللبنانية وأسباب أخرى تضافرت مع بعضها لتخسر خلال عامين أكثر بعدة أضعاف مما خسرته من قيمتها طيلة فترة الحرب، كما شهدت بورصة الأسعار في الأسواق ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع بشكل عام رغم تأكيدات المصرف المركزي أن إصدار الفئة الجديدة أو أي فئة أخرى مستقبلاً لن يؤدي إلى تضخم إضافي أو إلى انخفاض في القدرة الشرائية أكثر مما هي عليه.

العدد 1104 - 24/4/2024