المنطقة العربية.. حروب وأزمات مصطنعة بلا نهايات!
د. صياح عزام:
من يتأمل في الجغرافيا العربية وفيما جاورها يجد أنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أيامنا هذه الحالية تشهد أحداثاً وحالة من الحروب المتنقلة التي لا مثيل لها، بعكس مناطق أخرى في هذا العالم. وعلى سبيل المثال، حصلت حروب في يوغسلافيا وانتهت، والأمر ذاته بين بريطانيا والأرجنتين على جزر الفوكلاند، وحرب فيتنام.. إلخ.. كلها انتهت إلا في الدول العربية، فإن الحروب التي أشعلت فيها هي من دون نهاية، بل هي مفتوحة على كل الاحتمالات وباتجاه الأسوأ.
– نكبة فلسطين كانت البداية، ومازال الجرح الفلسطيني مفتوحاً.. كان الصراع بمحوره الرئيسي (عربياً صهيونياً)، ركبت موجته قوى خارجية أخرى، رأت فيه فرصة لتحقيق أطماعها ومخططاتها المشبوهة، فركبت الموجة، عبر إيجاد ميليشيات مسلحة تابعة لها، وهكذا امتلأت معظم الدول العربية بالجيوش المتحاربة وبالمنظمات الإرهابية والعصابات، وتدخلت أمريكا وتركيا وبعض الدول الأوربية لحماية مصالحها وإغراق عدة دول عربية بحروب مصطنعة، يبدو حتى الآن أنه لا نهاية قريبة لهذه الحروب والأزمات المختلفة، بل الحرص على إدامتها وتسخينها، وإن كانت تشهد بين الحين والآخر ما يمكن تسميته (استراحة محارب).
– لبنان، كما هو معروف، عانى من الحرب طويلاً في الفترة (1975_ 1990) وسبقها حالات غليان واقتتال، إضافة للحروب الإسرائيلية ضده: حرب عام 1982 والاجتياحات الأخرى الإسرائيلية التي وضعت المقاومة الوطنية اللبنانية حداً لها، ويظهر أن ما جرى في طرابلس مؤخراً هو بدايات لدورة جديدة من الاقتتال الداخلي المدعوم من قوى خارجية لا تريد للبنان أن يستقر وينعم بالهدوء.
– وفي سورية حرب إرهابية مفتوحة ضدها منذ أكثر من عشر سنوات، واحتلال أمريكي وتركي لأراض سورية، وسرقة نفطها وغازها وأقماحها وآثارها ومعاملها، والهدف من ذلك لا يخفى على أحد، وهو تركيع سورية وإجبارها على السير في ركاب السياسة الأمريكية والتطبيع مع الكيان الصهيوني كما فعلت بعض الدول العربية بإيحاء ورعاية من الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل ولاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب.
– أما ليبيا فقد تحولت إلى ساحة حرب هي الأخرى بين ميليشيات إرهابية متقاتلة ومدعومة من الخارج وخاصة من تركيا، حتى أن أردوغان لم يكتف بدعم هذه الميليشيات، بل عقد اتفاقات مع حكومة الوفاق- كما تسمى- تمس بالسيادة الوطنية الليبية وتحقق لتركيا مكاسب اقتصادية ومائية، وكلما اقترب الفرقاء المتنازعون من الوصول إلى اتفاقات تنهي الأزمة، تتدخل تركيا وفرنسا وغيرهما لتعقيد الموقف والعودة إلى الاقتتال، كل ذلك على حساب الشعب الليبي الذي يعاني الأمرّين.
– العراق مازال جرحه نازفاً، دماً ومالاً، منذ أن احتله الأمريكيون عام 2003، فضلاً عما سببته له حرب صدام حسين ضد إيران، واجتياحه للكويت من ويلات وأزمات، ولا يمكن لأحد القول بأن أمريكا ستترك العراق يتعافى، خاصة بعد أن سنّ له سيئ الذكر الحاكم الأمريكي بريمر دستوراً قائماً على المحاصصات الطائفية والعرقية والفئوية.
– اليمن، شنت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية حرباً شعواء، منذ أكثر من خمس سنوات، جاءت على الأخضر واليابس كما يقال، من أجل الهيمنة على هذا البلد العربي، ولا أفق لنهاية هذه الحرب، إلا أن الشعب اليمني صمد واستبسل، ومازال يتصدى لهذه الحرب، رغم ما يتحمله من أزمات وحصار وما يقدمه من شهداء وجرحى.
– الصومال، والسودان، أشعلت فيها حروب منذ عشرات السنين، ولا أفق لنهاية أي حرب فيها.
– تونس ومصر والجزائر شهدت ولاتزال أحداثاً دامية ومؤامرات من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وهي مستمرة في ظل ما سمي بـ(الربيع العربي).
إذاً، يمكن القول إن دوامات من الحروب والتدخلات السياسية والمؤامرات بأشكال مختلفة شملت عدة دول عربية- كما ذكرنا- ومازالت مستمرة، بل هي تتوسع وتفتك بشعوب هذه الدول، وتكلفها الكثير الكثير من الخسائر البشرية والمادية.
والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، لماذا فقط الشرق والمنطقة العربية تحديداً تشن عليها الحروب تحت ذرائع واهية؟ لماذا هذه الحروب لا تنتهي كما انتهت الحروب في أوربا وأمريكا اللاتينية وغيرهما؟
إن الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من التفكير، فالمسؤول الأول عن ذلك هو الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والكيان الصهيوني، فرنسا، وبريطانيا وتركيا، وغيرها، فهذه الدول قررت أن المنطقة العربية يجب أن تشهد حروباً بلا نهايات.. فهل يعي العرب ذلك؟