كالماء للوردة قليلها ينعش الحب.. وكثيرها …؟

ريم داوود:

خلقنا الله مختلفين، وفي اختلافنا يكمّل بعضنا البعض الآخر، نولد ولدينا قدرات وطاقات كامنة، منها ما نكتشفه فنطوره وننمّيه، ومنها ما يبقى منسيّاً مكبوتاً، خلافات ونزاعات تنشأ منذ الصغر بين إخوة يتخاصمون ويتقاتلون لأسباب عديدة، أصدقاء يختلفون وكثيراً ما تكون عواقب هذه الخلافات وخيمة، خاصة إن كانت ناتجة عن مشاعر الغيرة.

يتغاضى الآباء في كثير من الأحيان عن مثل هذه المشكلة، غير مكترثين وغير آبهين ظنّاً منهم أنها مشاعر عابرة تزول مع تقدّم العمر، غير مدركين أن ما يحصل هو العكس تماماً في حال لم يكون التعامل مع تلك المشاعر بأسلوب مناسب وطرق وقائية، وأخذها على محمل الجدّ.

 فالغيرة شعور سلبي مُدمّر ينشأ مع نقص في الاهتمام والحب، وتصرفات تظهر على الشخص عندما يشعر بوجود ما يُهدّد علاقاته مع الآخرين، أو وجود من يتميّز عنه ليخطف منه الأضواء. يعاني جميع الناس من مشاعر الغيرة التي نجدها بين الزملاء في العمل، والطلاب على مقاعد الدراسة، أو الإخوة داخل المنازل، وحتى بين الأزواج، وهي تؤدي في مفهومها الإيجابي إلى تحفيز التنافس والكدّ للحصول على ميّزات وامتيازات نتفوّق بها على الآخرين. لكن ماذا لو كانت هذه المشاعر سلبية بامتياز؟

يدرس علماء النفس موضوع الغيرة كمشكلة واضحة، ويولونها عناية واهتماماً فائقين، وغالباً ما تكون أسباب انهيار العلاقات الأسرية ناتجة عنها، ففي علاقاتنا العاطفية نهتم بمن نحب ونسعى جاهدين لأن يكون الشريك بخير، وأن يكون معنا وحدنا، متفردين مستمتعين بهذه العلاقة.. وحين يُصاب هذا التفرّد بخلل ما تبدأ الغيرة بالتكشير عن أنيابها. إن مشاعر الغيرة، كما سبق أن ذكرت، هي مشاعر إنسانية طبيعية، وكثيراً ما تكون حافزاً لتحسين العلاقات، خاصة الزوجية منها، لكن الخطورة تكمن في أشكالها المُتطرّفة. وهنا، لا يسعنا سوى تصنيف الغيرة إلى نوعين: طبيعية كالتي نشاهدها بين زملاء العمل، والأصدقاء ضمن علاقات جماعية، غيرة الحبيب على محبوبته، أمّا النوع الآخر لها وهو الغيرة المرضية أو غير الطبيعية والتي تنشأ عن مشاكل نفسية، أمراض عقلية أو حتى عن عدم الشعور بالأمان وعدم النضج، والجدير بالذكر أن الغيرة في أسوأ أشكالها تكون مُدمّرة للغاية، فالتعبير عنها يبدأ بالتعنيف اللفظي والجسدي وقد ينتهي بجرائم قتل! كثيراً ما يُطرح علينا سؤال عام، ألا وهو: من يغار أكثر النساء أم الرجال؟

في الحقيقة تتأثّر الغيرة بعوامل متنوعة وجوانب متعدّدة منها: العمر، العرق، الجنس، وقد أظهرت دراسات عديدة أن النساء غيورات أكثر من الرجال، ويعود ذلك إلى ارتفاع نسبة الإخلاص لديهن، بينما أكّدت الدراسات في جانبها الآخر أن غيرة الرجال تُعدُّ الأخطر والأصعب بالنسبة لغيرة النساء، خاصة أنها تنتهي بجرائم قتل كثيراً ما نسمع عنها.

في أحد لقاءاتي مع سيدة كانت تروي لي معاناتها الزوجية مع شريك يعاني غيرة مرضية، وأثناء سردها أضافت السيدة: أقسم لو أني كنتُ أعلم مدى غيرته وجنونه لما تزوجته. سألتها: ألم تلاحظي ذلك منذ البداية؟ أجابتني: لم يكن كذلك، ولم آخذ الموضوع في البداية على محمل الجدّ.

في الحقيقة هناك علامات واضحة تظهر على الشخص الذي يعاني غيرة مفرطة لا بدّ لكلا الشريكين أن يأخذها على محمل الجدّ ويفكّر فيها مليّاً، فالحياة مع شريك غيور أمر مرهق للغاية. أمّا عن التعامل مع هذه المشكلة، فيستطيع الشخص الذي يعاني من شريك غيور أن يُخفّف من وطأة هذه المشاعر من خلال اعتماد استراتيجيات قد تفيد في الحيلولة من ذلك إلى حدٍّ ما، كالحديث مع الشريك عمّا يُثير غيرته، وعن السلوكيات التي تزعجه، تطمين الشريك بشكل دائم وإخباره عن مشاعر الحب التي يكنّها له، مع التركيز على الأمور الإيجابية ضمن العلاقة. ويبقي الحل الأمثل في حال تجاوزت غيرة الشريك حدود المعقول وأدّت إلى مشاكل على الصعيد الحياتي والأسري، هو اللجوء إلى مختص دعم نفسي اجتماعي، أو طبيب معالج للحيلولة دون تفاقم الأمر.

العدد 1104 - 24/4/2024