إلى متى؟

سليمان أمين:

البوصلة، عندما تفقد توازنها، تضيع السفينة في وسط البحر ويصبح الأمل بالنجاة صعباً، وها نحن اليوم بتنا نكاد نفقد الأمل بتحسن واقعنا المعيشي والخدمي مع سياسة الحكومات المتتالية التي ليس لديها أدنى معايير الإدارة والشفافية في تعاملها مع الشعب الذي يعتبر الأساس في تشكل الدولة ومؤسساتها المتنوعة، لكن ما نراه منذ سنوات هو الشخصنة والوحدانية في اتخاذ القرارات التي تصب بمصلحة البعض فقط، والتي كان ضحيتها الشعب الذي لا حول ولا قوة، وذلك لاعتباره حصالة الحكومة يرفع ايراداتها برفع كل أجور الخدمات و الضرائب وغيرها من دون أن يُرفع دخل الفرد نهائياً، وهذه القرارات غير المسؤولة المبنية على المنفعة الشخصية والمصالح وضعتنا اليوم في وسط بحر تعصف به الرياح والأعاصير من دون أي مخرج أو حل يوضح معالم الخروج إلى بر الأمان، فالبوصلة ما زالت تتداولها أيدٍ لا تمتلك الخبرة بمعالجة المشكلات الحاصلة لإعادة التوجيه بشكل صحيح، وإذا عدنا بالزمن قليلاً لوجدنا أن الكارثة التي نحن فيها اليوم كانت ممنهجة ومدروسة من قبل البعض والهدف منها واضحاً وجلياً، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال الزراعة وكيف تم القضاء على بعض الزراعات الاستراتيجية التي تدخل في توفير الأمن الغذائي وتأمين جزء من حاجة المواطنين ومنها الشوندر السكري الذي تم استئصاله من الزراعات السورية بحجج ونظريات لم نجد لها برهاناً منطقياً سوى الاعتماد على الاستيراد، والمسؤول عن استيراد السكر هو أحد التجار الكبار في البلد كحال باقي المواد الأخرى، وكذلك قطاع الكهرباء الذي أُهملت كل المقترحات والدراسات التي طرحها بعض الخبراء وعدم الرد عليهم نهائياً، لفتح باب استيراد المولدات والبطاريات والامبيرات وغيرها من مصادر الطاقة الصناعية المستوردة والتي يعود ريعها لتجار كبار أيضاً، حتى باتت مدننا اليوم من دون كهرباء، فهل من المنطق أن نصل إلى أربع ساعات وصل كهرباء فقط مقابل 20 ساعة قطع خلال 24 ساعة؟ ويمكن أن تكون ساعات الوصل أقل من 4 ساعات في أغلب الأحيان، ولو استُثمرت مصادر الطاقة بالشكل الأمثل وفق ما طرحه بعض الخبراء لكنا ننعم بالكهرباء اليوم، ولكن توفر الكهرباء يحقق حق الشعب ولا يحقق مصالح التاجر وهذا مرفوض في منطق الفوضى التي تعصف بنا، ولم يكن حال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالأفضل، بل الأسوأ، فقد أدى لفلتان سعري في الأسواق يقوده تجار فوق القانون يتحكمون بالأسواق وفق سعر السوداء، وليس حال باقي القطاعات والمؤسسات بالجيد نهائياً.

عدم المصداقية والشفافية وكثرة التبريرات والتصريحات غير المفهومة أحياناً وغير المنطقية بمجملها، باتت لا تُسكن وجع السوريين اليوم بل باتت تضحكهم من كثرة الألم الذي يعانون منه في يومهم وليلهم، فإذا عدنا إلى إحدى المعادلات الظالمة وتساءلنا: هل من المعقول مثلاً أن يتم اعتماد سعر صرف المركزي فقط في صرف حوالات المواطنين الفقراء التي يرسلها أولادهم من المغترب كمصروف، ويتم اعتماد دولار السوداء في تسعير الخدمات والمواد المعيشية التي يشتريها المواطنون، حتى في صالات ومؤسسات الحكومة يتم التسعير وفق دولار السوداء ولا يتم التسعير وفق سعر المركزي نهائياً، والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا اعتُمد سعر الصرف 2550 ليرة سورية لدفع البدل؟ ولم يُحدّد سعر صرف حوالات المواطنين بهذا السعر مثلاً، أم أن المواطن في سياسة الحكومة مجرد مغترب عليه دفع الجزية ثمن بقائه في البلد؟ لماذا تتم معاملة السوريين ضمن بلدهم بهذه الطرق البشعة التي لا يمكن أن يتصورها عقل؟ يتساءل مغتربون سوريون هربوا عبر البحر إلى أوربا من الفقر والجوع وغيره من الأسباب الكثيرة التي يعرفها أصغر طفل سوري اليوم، وحكومتنا الموقرة تتباهى بإنجازاتها الرائعة تحت قبة البرلمان الشعبي الذي يصفق ويصفق ويصفق، والشعب معلق على حبال مشانق الفقر والبرد والجوع وعلى أبواب الأفران والمؤسسات ليحصل على شيء يبقيه على قيد الحياة، إنه النضال من أجل البقاء من أجل الكرامة وعزة النفس أمام غول القرارات الحكومية القاتل والذي مازالت تبريراته وتعليق كل الكوارث على شماعة الحرب والمؤامرات الكونية! وسنوات وسنوات نكتب وتكتب الأقلام البيضاء جّل المقترحات في بلدي ولكن هيهات أن تقرأ حكومتنا وتأخذ بعين الاعتبار شيئاً، همها فقط زج من ينتقد مسؤوليها من الصحفيين في السجون وفي أفرع التحقيقات، متعاليةً على كل القوانين والأنظمة التي تحفظ كرامة الإنسان في بلده.

إلى متى توضع البوصلة بأيدي من لا يعرف قوانين تشغيلها بالشكل الصحيح والأمثل؟

إلى متى لا يوضع الشخص المناسب بمكانه المناسب ودون دخول الواسطة والرشاوى في التعيين؟؟

إلى متى لا ننظر إلى دقة المعلومات وتراكم الخبرات في اختيار الأشخاص المسؤولين عن حياة ملايين البشر؟

إلى متى لا نضع القانون والدستور فوق الجميع وليس فقط على المواطن الفقير المغلوب على أمره؟

إلى متى لا نجعل المساواة بين الجميع نظاماً يقودنا إلى التغيير للأفضل؟؟

إلى متى نؤجل أن نعود بسوريتنا لمهد حضارتها ونرتقي بها لتعود عاصمة الإنسان والإنسانية؟؟

إلى متى.. ومتى.. ومتى نعيش بكرامتنا!؟

العدد 1104 - 24/4/2024