أوقات نقضيها ولا نجد ذواتنا.. فنضيع بالتفاصيل

وعد حسون نصر:

 نحن اليوم أمام خيارين: إمّا أن نقضي على أوقات الفراغ ونكبّلها بالانشغال المفيد حتى الموت، أو هي ستقضي علينا بسب محاصرتها لنا، فنكون أسرى خلف قضبان الحيرة والعجز لمواجهة الفراغ القاتل. كثيرون منّا يودّون أن يعملوا لكن لا يعرفون كيف يجدون العمل الذي يحبونه ويستمتعون بأدائه وينشغلون فيه، والبعض لا يعرف ما إن كانت له هوايات ليمارسها بشكل يومي، والبعض الآخر يحيط نفسه بكل وسائل الترفيه والصحبة، ومع ذلك يعاني من الملل والفراغ الذي قد لا يكون محيطاً به بقدر ما هو يسكنه، لأنّه ببساطة لم يعرف بعد ماذا يريد ولا كيف يستثمر تلك الساعات القصيرة والثمينة من العمر. ثمّة حلقة ما مفقودة من حياتنا وعلينا أن نبحث عنها، خاصة أن الفراغ كان ولا يزال أحد أبرز المعوقات التي تقف في وجه الإبداع، وربما يكون سبباً للانتحار عند البعض، كما يمكن أن يكون سبباً لارتكاب الجرائم بشتى أنواعها، فهو يرهق الإنسان ويجعله متعباً أكثر خاصة بعد الانتهاء من ممارسة الأعمال اليومية ولساعات طويلة. كذلك يبعث الفراغ الضجر والملل، ويجعلنا ندور حول أنفسنا ولا ندري ما نفعل.

وهنا، لابدّ أن نشغل أوقات فراغنا بأمور نافعة من خلال طرق عدّة، لعلّ أهمها المطالعة والتعلّم بالمفهوم الحقيقي من أجل العلم ذاته وليس من أجل الحصول على الدرجات، كذلك العمل والانشغال بمهنة مفيدة، وأيضا ممارسة الهوايات الشخصية كالكتابة والرسم والرياضة وغيرها، لنجعلها وسيلة للقضاء على الفراغ القاتل المدمّر لنفوسنا والمكبل لأحلامنا، هذا الشيطان الذي يوسوس لنا فنمارس أبشع العادات بسبب الوقت المهدور، ولا ضرر أن نشغل أنفسنا أحياناً بالواجبات الاجتماعية، فربما تكون فرصة للتعارف وزيادة المعرفة، تجعلنا نتجه لتنمية مواهبنا الخاصة، أو ربما نشغل فراغنا بالاستماع إلى أغنية أو مشاهدة التلفاز، أو ممارسة الألعاب الذهنية، وكتابة القصص.

عن نفسي، قد لا أكون أنا من المهتمين بقراءة الرواية والقصص، ولا حتى من أصحاب سماع الشعر ولا حتى التسوّق أو النشاطات الاجتماعية والروحية، لكنني ورغم كل هذا الضياع في البحث عن ذاتي بأوقات الفراغ الطويلة والتي ربما يكون الوضع الخدمي السيئ سبباً مباشراً في هذا الكم من الفراغ والبطالة، وخاصة انقطاع التيار الكهربائي الطويل وتبعاته من تعطّل لمنظومات حياتي وحياة الملايين من السوريين، لكنني أخلد بوقتي الطويل مع صمت ذاتي، وكم أفضّل أن تُتاح لي الفرصة للاستمتاع بالقراءة والاستماع لموسيقا هادئة قرب مدفأة نارها تعطي الراحة تحت أضواء ساحرة، لكن انشغالي وانشغال الملايين غيري في هذا البلد بملاحقة الوقت لقضاء أبسط أمورنا من غسل ثيابنا واستحمامنا وتعبئة ماء شربنا، جعلنا نعيش الفراغ القاتل بأفكار كثيرة، نحن ننتظر أن ننجز أعمالنا المنزلية بعد انتظار عودة التيار الكهربائي عصب الحياة وعقرب كل هذه الأعمال، وقد يكون وقت الانتظار هذا إلى حدٍّ ما عبئاً علينا، وسبب إهداره خارجٌ عن طاقتنا، لكن لابدّ من إيجاد نشاط يساعدنا على التخلّص من زهق أروحنا تحت ضغط الفراغ القاتل، بما يعود علينا بالنفع ويبعد عنا شبح الموت المغلف بأفكار ساعات طويلة من السكون والصمت الناتج عن عدم التوجه لملء ساعات فراغنا بالنافع المفيد، فمن لا يملك موهبة ولا يستطيع إنجاز عمل أو حتى قراءة كتاب أو الاستمتاع بأغنية أو قصيدة أو حتى التمعّن بمشاهدة التلفاز لغاية المتعة، هو مجرم صامت كبّله عقرب الوقت بفراغ ثوانيه، لتصبح يده معول أفكاره، وهنا تصبح الجريمة خير وسيلة للتعبير عن فراغ الروح وشبح السكون، لذا لندع أنفسنا هي بورصة الوقت، هي طاقة المكان ونستغلها لنطلق ذاتنا، فمن وجد ذاته كان ملاكاً لا تُغلّفه الخطيئة ولا تُعكّره وساوس الشيطان، إذاً علينا أن نقتل هذا الشيطان من خلال موهبة تشغل ذاتنا بأعذب الأوقات.

العدد 1102 - 03/4/2024