بين إصدار فئات نقدية جديدة وحذف أصفار من العملة المتداولة

ريم الحسين:

يجري الحديث مؤخراً سواء بالتلميحات أو التصريحات المباشرة عن (نية) أو (التمني) من المصرف المركزي السوري إصدار عملة جديدة من فئة الـ ٥٠٠٠ أو أكثر، لسهولة التعامل النقدي بعد التضخم الهائل الذي شهده الاقتصاد السوري، بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب التي أنهكته متضافرة مع سوء الإدارة والتخطيط وغياب الحلول المجدية. لكن تعرضت هذه التصريحات والتمنيات للكثير من النقد وخصوصاً أن السياسات النقدية غير المدروسة في بلدان تعاني التدهور الاقتصادي سيؤدي إلى المزيد من التضخم وارتفاع الأسعار وما يخلفه ذلك من تبعات خطرة على كل المستويات، إضافة إلى ذلك هناك بعض الاقتراحات الأخرى مثل حذف أصفار من العملة أيضاً كإجراء إضافي قد يحدّ من تدني قيمة الليرة السورية إلى مستويات قياسية.

نظرياً هناك ٣ أسباب تدفع الدولة إلى طباعة العملة، وهي:

إحلال الهالك: وما يحدث هنا هو عملية استبدال العملة المهترئة بعملة أخرى تحل محلها، ولا يترتب على هذا الإجراء أي أثر اقتصادي.

تحفيز النمو: تلجأ الدول دورياً لطباعة العملة، فتخلق نقوداً إضافية جديدة في يد الناس، هذه النقود الإضافية تحفز (الطلب) على السلع والخدمات، وهو ما يؤدي لاستجابة المنتجين بزيادة المعروض من هذه السلع، مما يقود لدورة إنعاش اقتصادي.

غير أن هذا الغرض التنموي لطباعة النقود يفترض أن تتوازن الكتلة النقدية الإضافية من جهة، مع الكتلة العينية السلع والخدمات الإضافية التي زادها المجتمع ضمن زيادة إنتاجه المحلي الإجمالي من جهة ثانية.

التمويل بالعجز أو ما يعرف الآن باسم (التسهيل الكمي)، ويعني إصدار كميات نقدية إضافية من أجل تغطية النفقات العامة للدولة، حين لا يتوافر للدولة إيرادات ومصادر كافية لتغطية نفقاتها العامة، فتلجأ لطباعة العملة من أجل تمويل نفقاتها.

ولكن طباعة نقود دون أن يكون لها غطاء يؤدي إلى نتيجة أساسية واحدة، هي: ارتفاع الأسعار، إذ يزيد المعروض النقدي دون أن يقابله زيادة موازية في السلع والخدمات، وتالياً فإن إقدام دولة ما على زيادة الطباعة بشكل لا يراعي النمو الاقتصادي فيها قد يؤدي لزيادة الطلب بصورة كبيرة، وهو ما لا يستطيع المنتجون الاستجابة له بالسرعة المطلوبة، مما يؤدي لحدوث ارتفاع هائل في الأسعار، يسبب مزيداً من إفقار مجتمع هذه الدولة، ويقود بالتبعية لفقدان الناس الثقة في عملتها.

وفي هذه الحال، يضرب الاقتصاديون المثل بدولة زيمبابوي، فقد وصل التضخم فيها إلى أكثر من ستة آلاف مليار مليار، وتمت طباعة أوراق نقدية قيمة الواحدة منها 100 مليار. وما فعلته زيمبابوي لإحداث هذا الانهيار هو قيامها بطباعة عدد لا نهائي من العملة، وتوزيعه على المواطنين، وزاد الطلب بصورة كبيرة، ولا معروض ليلبي الطلب المتزايد، ففقدت العملة قيمتها بشكل كامل تقريباً، وفي عام 2009 تم التوقف عن استخدام عملتهم وبدؤوا باستخدام عملات دول أخرى.

فإذا فقد الناس ثقتهم في العملة. وذلك عندما تحدث موجة من التشاؤم تؤدي إلى أن يقوم الناس بالتخلص مما لديهم من هذه العملة وشراء عملات أجنبية، وهذا يؤدي إلى مزيد من انخفاض قيمتها، يؤدي في النهاية إلى انهيار قيمتها ومن ثم الانهيار الاقتصادي.

أما ما يخص موضوع حذف الأصفار فيمكن تعريف مفهوم (سياسة حذف الأصفار من العملة) بأنها وسيلة تتبعها الدول التي تعاني من تدهور اقتصادي كبير ووجود معدلات تضخم مرتفعة للغاية ومن ثم تدهور في قيمة العملة، فتقوم الدولة بحذف عدد من الأصفار من قيمة عملتها لتصبح أقل من حيث عدد الأوراق المحمولة في اليد. يمكن أن يكون الهدف من تطبيق سياسة حذف الأصفار من العملة تحقيق عدة نقاط على أرض الواقع، منها تسهيل عمليات الشراء والبيع والتخفيف من حمل كميات كبيرة من الأوراق النقدية وإعطاء دفعة نفسية إيجابية للمواطن، بحيث يشعر بأن القوة الشرائية لعملته المحلية أصبحت أفضل أو محاولة لإعطاء دفعة للاقتصاد بالنهوض من جديد والتوفير على الدولة من إصدار فئات جديدة بقيمة أعلى من الفئات الموجودة.

وتدهور في قيمة عملة ما يؤدي إلى تدهور في الإنتاج نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج مما يؤدي إلى استغناء أصحاب العمل عن العمالة لتقليل التكاليف.

ومن هنا نجد أن الأجر الحقيقي للأفراد لا يكفي لإشباع حاجاتهم مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة ويزداد الغلاء ومن ثم يحدث الركود، ويمكن أن يمتد ذلك إلى حدوث الركود التضخمي وهي حالة اقتصادية سيئة جداً إذا دخل إليها اقتصاد الدولة ويصعب الخروج منها لذلك تلجأ الدولة لسياسة حذف الأصفار من عملتها آملة أن هذه السياسة ستقوم بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية.

يمكن أن تقوم الدولة باستخدام هذه السياسة لمواجهة الانهيار الاقتصادي المحتمل، كـحل قد يكون من شأنه خفض التفاقم الاقتصادي، وكان آخر تلك الدول التي انتهجت سياسة حذف الأصفار من عملتها هي:

زيمبابوى ألغت في 2003، ثلاثة أصفار من عملتها.

رومانيا ألغت في 2005، أربعة أصفار من عملتها.

تركيا ألغت في 2005، ستة أصفار من عملتها

السودان ألغت في 2007، صفرين من عملتها.

فنزويلا ألغت في 2008، خمسة أصفار من عملتها.

بوليفيا ألغت في 2008، ثلاثة أصفار من عملتها.

زيمبابوي ألغت في 2008، عشرة أصفار من عملتها.

الجزائر ألغت في 2016، ثلاثة أصفار من عملتها.

إيران ألغت في 2017، ثلاثة أصفار من عملتها.

ويرى العديد من الخبراء أن هذا الإجراء وهمي لا يعدو عن كونه دفعاً إيجابياً مؤقتاً للحالة النفسية للمواطنين وليس ذا تأثير يذكر على الاقتصاد بشكل عام.

أما عن جدوى هذه السياسات على الاقتصاد السوري فقد تنوعت التحليلات والقراءات من بعض الخبراء بين معارض ومؤيد، ويبقى لدراسة الوضع الاقتصادي السوري وحساسيته ودرجة تقبله لأي سياسة نقدية جديدة رهين الخبراء والمطلعين على الواقع عن كثب المؤثرين والمسؤولين عن قرارات الحكومة والمصرف المركزي التي يجب أن تكون موجهة لصالح النهوض بهذا الاقتصاد المنكوب.

العدد 1102 - 03/4/2024