وحده الانسان من كان شيطاناً أحياناً، ملاكاً قليلاً، وإنساناً لبعض الوقت

ريم داوود:

جعل الله مكارم الأخلاق وصلاً بيننا وبينه، فجاءت الأديان السماوية مؤكّدة حسن الأخلاق من كفّ الأذى وبذل المعروف وطيب السمعة. وكم هي العبرة بما قاله السيد المسيح عندما نهى عن الرذيلة بقولهL”قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزنِ) وأمّا أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه.

نتحدّث عن الأخلاق والإنسانية في خندق وبوتقة واحدة لأنه بها تُشاد الأمم وتُبنى الحضارات.

مع دفء شمس هذا الصباح المشرق أرتشف قهوتي التي أفضّلها مرّة المذاق، ومع كل رشفة من فنجاني الذهبي أتأمّل جمال الخالق بما صنع وما أبدع مُكرّماً بإبداعه الانسان، فهل يستحق الإنسان هذا التكريم والترفيع وقد خرق كل الوصايا ودحض كل التعاليم؟

أتصفح بعض مواقع التواصل الاجتماعي متابعة الجديد من الأخبار وكم هي زاخرة تلك المواقع على كل الصعد: السياسي، الاقتصادي، الفني، الاجتماعي والقانوني! يا لها من تكنولوجيا أتاحت لنا إمكانية السفر عبر القارات ونحن نرتشف فنجان القهوة حتى دون أن نحرّك أقدامنا!! أنتقل من خبر إلى آخر وأقرأ العناوين العريضة لأختار ما يروق لي وكأنني نحلة تتنقّل بين الأزهار تبحث عن الرحيق الأفضل، وبينما أتنقّل بين العناوين العريضة استوقفني خبر ليس بجديد عليّ، لكن وقعه مؤلم دائماً. دخلتُ لأتبحّر في فحوى ذاك المقال الذي حمل عنوان (صغيرات أم كبيرات التحرّش يؤذينا) أقرأ ما كتب بين سطوره من معاناة وألم، وقد تضمّن ذالك المقال مجموعة من القصص الواقعية لفتيات تعرضن للتحرّش، وفي غالب الأحيان كان المتحرّش من دائرة المقربين (أب، أخ، خال، عم، رب العمل…) والموجع في الأمر أنه في كل قصة من القصص التي ذُكِرَتْ كانت الفتاة هي المَلومة على ما حصل! يا للعجب! وكيف لفتاة قاصر أن تكون مسؤولة عن تحرّش أبيها بها؟ وهل تغوي الفتاة أباها؟ وكيف لتلك الضحية أن تكون مسؤولة عن محاولة أخيها اغتصابها؟ اعتصر قلبي وضاقت ضلوعي عندما قرأتُ ما كُتِبَ عن لسان إحدى الفتيات: كنتُ أتمنى لو أن أمي اتخذت موقفاً مختلفاً، تمنيتُ لو أنها ساندت وحدتي وأبطلت خوفي وحيرتي، تمنيتُ لو أنها سألتني هل أنت بخير؟ هل تأذيتِ؟ كان كل همها كتمان الموضوع وعدم افتضاح الأمر وكأنني ارتكبتُ جرماً. لم أدرِ يومها ما كانت مبررات تصرفاتها، هل خوفها علي أم خوفها على أخيها؟ لكن همّها الأعظم كان صمتي الأرعن).

كم من فتاة تعرّضت وتتعرّض للتحرّش بشكل متكرر وهي عاجزة عن الرد والبوح، وإن ردّت توجّه إليها أصابع الاتهام وتواجه باللوم! كم من فتاة باتت ضحية لمجتمع جاهل لمجرّد أنها أفصحت أو بادرت بتقديم شكوى ضدّ متحرّش أو مغتصب! يا لها من عقلية سلبية تلك العقلية الشرقية التي لا تهتم إلاّ بردّ فعل الناس، أما الفعل فهو غير مهم، فليس هناك من مشكلة بارتكاب ذنب ما، لكن الأهم ألاّ يعرف به الناس، فكم من الأشخاص يمارسون الرذائل والمحرمات والممنوعات في الخفاء وهم للناس أطيب الذكر! أتعجّب حال مجتمعاتنا حتى الشياطين لم تحاول أن تكون بشراً، ولا الملائكة حاولت. فقط وحده الانسان من كان شيطاناً أحياناً، وملاكاً قليلاً، وإنساناً لبعض الوقت.

إن التحرّش الذي يتراوح بين مضايقات لفظية وإيحاءات جنسية وصولاً إلى الاعتداء الجسدي حقيقة تعيشها الكثير من النساء/الفتيات، حقيقة باتت تشكّل مخاوف معظم الفتيات داخل الباصات، ضمن مكاتب العمل، في الجامعات والأسواق الشعبية وأيّ مكان يجد فيه المتحرّش الفرصة المناسبة لذلك. فهل يُلقى اللوم في هذا الجرم على المتحرّش أم على الضحية؟

وفي الختام، لابدّ من أن نؤكّد أن ظاهرة التحرّش قديمة وليست بجديدة، لكن أساليبها تطوّرت مع تطوّر المجتمع الزائف للأسف.

العدد 1102 - 03/4/2024