العقلانية ترسّخ الاستقرار وتعمّم السلام

ابراهيم الحامد:

درجت العادة في نهاية كل عام وقدوم آخر عند البشرية جمعاء، وخاصة تلك الشريحة العظمى المغلوبة على أمرها، والمتضررة من النزاعات والحروب، أن تتجدد الأماني والآمال لديها، داعية أن تستقر الأوضاع ويعم السلام والمحبة على العالم أجمع.

وبقدوم الجديد، تتبدد تلك الآمال لديها وتزداد الآلام والمآسي في حياة أغلبها على يد قلة قليلة ممن تسيطر على مراكز القرار والاقتصاد، تلكم الفئة التي فقدت المشاعر البشرية وبات همّها تكديس الأموال عبر إثارة الحروب المدمرة ونشر الأوبئة، متناسية أنها ستُدفَن يوماً ما تحت ركام تلك التركة، لتصبح آثاراً تُعرض في المتاحف للفرجة فقط، كما هي آثار السابقين أمثالهم عبر التاريخ ولم ينتفع بها حتى ذريتهم.

والمؤسف في الأمر، أن كل تلك الحروب والدمار والقتل تبدأ وتتفاقم بحجة الحق والحقوق والقانون والديمقراطية والحرية وكل ما يغري الشريحة المغلوبة على أمرها ويدغدغ مشاعرها، ويُستغل في ذلك اختلاف اللون واللسان والمعتقد.

نعم، تلك الفئة المتحكمة برقاب البشر، صادقة وفق منظورها اللاعقلاني، والذي ألخصه بـ(حق الأقوياء في هضم حقوق الضعفاء، وديمقراطية القوة، وحرية تعدي الفرد القوي على الضعيف، وقانون القوة بدلاً من قوة القانون).

فهل الأماني وآمال أغلبية البشرية المسحوقة ستتحقق بالدعاء؟ أعتقد أن ذلك كمن ينفخ على مصباح كهربائي كي يطفئه؛ لأن لا سعادة ولا مجد لنا نحن المستضعفين في الأرض، إن لم يتصالح كل فرد منا في وطنه أينما كان مع نفسه أولاً، ويتصالح مع الآخر مثله ثانياً، وما لم يعترف كلا منا بحق الآخر، وما لم تُعَد الحقوق لأصحابها. ولقد بتّ على يقين بأن إقصاء فرد لآخر وجهة ما لأخرى، مهما كان نوع الاختلاف، بالقوة، بات غير مجدٍ، لأن الإقصاء يحول الاختلاف إلى خلاف نتائجه هي: الصراعات والحروب والدمار وعدم الاستقرار، وكل ذلك يدوم بدوام الإقصاء وهضم الحقوق، يمارسها ممن يتبعون غريزة الطمع والشهوة والأنانية والفئوية الضيقة، ويستغلون اختلاف اللون واللسان والمعتقد وحتى الفكر والرؤية خدمة لأنانيتهم، علماً أن ذاك الاختلاف هو شأن طبيعي ملازم للبشرية وكل الكائنات الحية، وحتى الجامدة منذ بدء الخليقة. فلا أمل في تحقيق تلك الآمال والأماني، إلا بالعقلانية والاعتراف بالآخر، وديدنه الدولة المدنية

التعددية العلمانية الديمقراطية.

والعقلانية كما أراها هي: تكافؤ الفرص بين البشر، والمساواة في الحقوق والواجبات أفراداً كانوا أو جماعات، وسيادة قوة القانون، وتحقيق العدل فيما بينهم، وفق معيار الكفاءة في العمل والإنتاج وتوفير الضمان الاجتماعي للعاجزين والمقعدين.

وفي السياق ذاته نحن غالبية الشعب السوري المغلوبة على أمرها، ممن ذاقوا الويلات على مدى عشرة أعوام من الحروب والصراعات والاحتلالات، حتى بات من الصعوبة أن نرى عائلة منا إلا وفيها شهيد أو معاق دفاعاً عن أرضه وعرضه في وجه الإرهاب والغزاة وقوى الاحتلال، أو نتيجة للقصف العشوائي فيما بين المتحاربين، أو مفقود بسبب الدمار الهائل أو بسبب ظروف اعتقالات واختطافات سرية من هذا الطرف أو ذاك، أو معتقل معروف مكان وجوده عند هذا الطرف أو ذاك بسبب مواقفه وآرائه السياسية ويقبع في المعتقلات دون محاكمة ،والبعض الآخر غير معروف مصيره، وتعيش إضافة إلى ما سبق معاناة النزوح والتهجير والتشرد واللجوء ونهب ممتلكاتهم وسلبها وسرقتها، حتى ضاقوا ذرعاً بكل شيء، وشبعوا من تلقي المعاناة والجوع والإهانات، وباتت أمنياتهم وآمالهم لا كما بقية الشعوب؛ بل انحصر أمل تلك الشريحة العظمى من ذوي الدخل المحدود والأكثر تضرّراً من الأزمة في:

1-أن تجد حكومتهم الحالية ما عجزت عنه الحكومات السابقة ما أمكن من حلول، لتوافق ما بين مداخيلهم والحد الأدنى من المتطلبات والاحتياجات اللازمة للحياة المعاصرة، ولا شك في أن الإمكانيات متوفرة إن توفرت الإرادة الحقيقية لذلك.

2- البدء في حوار سوري سوري عبر مؤتمر إنقاذ وطني يحضره كل الأطراف السورية الوطنية الموجودة على أرض سورية تحت شعار: (مصلحة الشعب السوري وسيادته الوطنية فوق كل المصالح والاعتبارات الفردية والخاصة والضيقة وحتى الحزبية منها).

3 – الإجماع على هدف واحد هو: طرد المحتلين ومرتزقتهم من القوى الإرهابية، وإتمام التسوية السياسية من خلال (عقد اجتماعي وسياسي)، يرضي الشعب السوري بكل مكوناته ومعتقداته وفئاته الاجتماعية، بعيداً عن الأجندات الخارجية للقوى العالمية والإقليمية ومصالحها. حينئذٍ يمكن القول: قد حل على وطننا وشعبنا السوري جميعاً، السلام والاستقرار.

العدد 1104 - 24/4/2024