أيقِظ العالم النائم بالحوار!
ريم داوود:
تتشابك الآراء ويلتقي بعضها ويتنافر بعضها الآخر في سبيل طرح توقعات علّها تحمل شيئاً من الواقع أفكاراً وآراء. ندوات ولقاءات تلفزيونية لمحلّلين سياسيين واقتصاديين، جميعها تدور في فلك الأوضاع السياسية وإمكانية الوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف المتنازعة، وأحلام السوريين تُحلّق في فضاء الأمنيات آملة الوصول إلى شطّ الأمان، أمان يلقى فيه السوريون تعويضاً عن الألم والقهر الذي عاشوه وعن مرارة الأيام السالفة. أمان نتغنّى به كسابق عهدنا نمحو معه مظاهر الذل والفساد والإجرام الذي خلّفته سنوات الحرب. يتوق السوريون، بعد مضي عقد من الأسى والحزن، للوصول إلى حلٍّ نهائي يرفع عنهم آلام السنوات الغابرة ويُضمّد جراحاتهم ويُطبّب أوجاعهم.
لكن، هل سيتحقّق هذا الخلاص بلمسة إلهية؟ أم أننا نحتاج إلى ثقافة غابت عنّا طيلة هذه السنوات، ثقافة حوار وتسامح تنصُّ على الاعتراف بالآخر وتأكيد حقوقه وحرية معتقده واعتقاده، أي بالمختصر الاعتراف بالآخر كإنسان لا كعبد!!
يعاني مجتمعنا اليوم من تناحر وتعصّب فاق الوصف، تعصّب أدّى إلى جرائم بشعة لا يمكن أن تُنسب للإنسانية، وكأن هذا المجتمع عاد ليمارس حياته في عصر الجاهلية! ننادي بالحوار ونحن أبعد الخلق عنه، وما قيمة الحوار إذا كنّا غير قادرين حتى على تقبّل رأي يعارض أفكارنا وتوقعاتنا؟ لماذا هذا الحوار ما دام بعضنا على أهبة الاستعداد للانقضاض على كل من هو مخالف لمعتقداته وأفكاره، و(افتراسه!)؟ نعم، لقد أصبح البعض لا طاقة له على التناغم، ولا قدرة لديه على القبول والتقبّل!! أجيال تُربّي أجيالاً على التناحر والتنافس وكأن الحياة خُلقت للعيش بمفهوم الأنا، نبكي وننوح على ماضينا وماضي أجدادنا، ونتوق للتغير والتحوّل نحو الأفضل ونحن غير قادرين على تقبّل الآخر أو حتى على الحوار معه بشكل بنّاء.
إن قبولنا لمبدأ الحوار ليس بالأمر السهل، فنحن بحاجة إلى تفعيل مفهوم الحوار ضمن مؤسسات الدولة والمجتمع كافة من أصغر مؤسسة (الأسرة) إلى أكبر مؤسسة فيها، فالحوار من شأنه أن يُحقّق التفاهم والتواصل الإنساني الذي يهدف إلى حلّ المشكلات والخلافات بروح التسامح بعيداً عن العنف والإقصاء، إقصاء الآخر المختلف، فالله خلقنا مختلفين لا نسخاً متشابهة، ليكمّل بعضنا بعضاً.
قبولنا بالحوار يعني التصدّي لكل ما هو غريب ومدمّر، لكل ما يقود إلى انحراف المجتمع وانقياده نحو الهاوية، فبالحوار نتغلّب على الصعاب، ونظراً لأهمية لهذا المفهوم يجب علينا العمل على تمكين أفراد مجتمعنا صغاراً قبل الكبار من أسس الحوار وطرق تنفيذه وآدابه، لنتمكّن من النهوض بأنفسنا وبالمجتمع. فإن كنت تريد أموراً تسع الجميع عليك بالتسامح والحرية واتباع منطق الحوار.