ألوان في المدينة القديمة

م. يارا الحسواني:

أقدم عاصمة مأهولة دون انقطاع في العالم، هل مشيت في شوارعها مؤخراً؟ هل نظرت وشممت وأصغيت إليها؟ هل كنت شاهداً على كل الجمال والقبح الذي يختفي من مدينتنا الحبيبة؟

مدينة دمشق القديمة التي سجلت على قائمة التراث العالمي عام 1979 م، هي اليوم على قائمة التراث المهدّد بالخطر. أسباب عدة صنفت عاصمتنا كجزء من ذاكرة الإنسانية جمعاء التي يجب حمايتها وصونها، لكن هل تجري حمايتها فعلاً!؟

لا أحد يدرك الخطر المحيط بأزقة المدينة القديمة أكثر من سكانها، مرويات نسمعها باستمرار عن صعوبة الترميم أو حتى إصلاح الأضرار في المناطق ذات الصفة الأثرية، فقوانين حماية الآثار في سورية صارمة جداً فيما يتعلق بالترميم والتدعيم، إذ يتطلب الأمر سلسلة طويلة من المعاملات الرسمية والموافقات، حتى بات جزء كبير من عقاراتها مهجوراً يتداعى مع مرور الزمن، فضلاً عن الخطر الذي يشكله على من بقي من السكان.

أين تقع المدينة القديمة؟

عند الحديث عن دمشق القديمة، يتبادر إلى الذهن فوراً الأحياء المحاطة بالسور، لكن في الواقع هناك عدة أحياء خارج الأسوار تشكل جزءاً لا يتجزأ من المدينة القديمة، وتنتمي إليها كنسيج عمراني وكقيمة مكانية. تلك الأحياء (ساروجة، العقيبة، الميدان، القنوات، الشاغور والصالحية) طالها التغيير العمراني وبقايا نسيجها القديم يشبه اليوم بقعاً سابحة بين أبنية الحداثة الأسمنتية. لحسن الحظ تم تسجيل الشرائح الأثرية المتبقية كجزء من المدينة القديمة، ولسوء الحظ تعاني هذه المواقع من الإهمال أكثر من غيرها.

مبادرة فنية

أحدثت إحدى المبادرات الفنية مؤخراً جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب صور لمجموعة رسومات على جدران حي التيامنة، الواقع ضمن شريحة الميدان الأثرية. المبادرة تهدف إلى تنفيذ مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية ضمن الحي، بالتفاعل مع السكان، وتتضمن منحوتات ورسومات جدارية. وقد وصف البعض هذا المشروع بـ(غير المقبول) على الإطلاق، حتى وإن كان من منطلق تأهيل أو تحسين واقع الأزقة في المدن القديمة الأثرية ذات الطابع التراثي، ونعته آخرون بـ(العبث) و(التشويه) و(الخربشة)، وكذلك بـ(الجرم) الذي يعاقب عليه قانون الآثار السوري في مادته السابعة.

محافظة دمشق توضح (أن ملتقى فن الطريق هو سلسلة ثقافية فنية تطوعية ينفذها غاليري مصطفى علي في الهواء الطلق، واختيار حي التيامنة في منطقة باب مصلى جاء بالتشاور مع لجنة الحي). وأضافت إن (حي التيامنة هو خارج مدينة دمشق القديمة المسجلة باليونسكو وليس أثرياً، والساحة التي أقيمت فيها الفعالية ليست أثرية أو تاريخية، وإنما منطقة شعبية والجدران ليست أثرية، عبارة عن جدران مصنوعة من اللبن).

السؤال الأهم هو كيف لمجموعة ألوان عشوائية على جدار أن تثير هذا الكم الهائل من النقاش حول قضية موجودة أصلاً، في حين أن خبر انهيار منزل كامل لا يحرّك أي جدل؟ التشويه البصري في أحياء دمشق التراثية موجود، وكذلك شكاوى التصدعات وانهيار العقارات القديمة، وعلى الرغم من ذلك لم تحرك محافظة دمشق ساكناً ولا حتى مديرية الآثار. حتى يبدو للناظر أن الحصول على موافقة تلك الجهات من أجل تلوين جدار أسهل من موافقتها على تدعيمه وضمان سلامته. بل يسهل نفي أهمية تلك الأماكن التراثية لتبرير تلوينها أو إهمالها أو حتى إزالتها يوماً ما.

هل حان الوقت لتعديل قوانين الآثار السورية التي تمنع المساس بالمناطق الأثرية، وفي الوقت نفسه تبدو كأنها تمنع صيانتها؟

العدد 1104 - 24/4/2024