أجراسُ العيد قد لاحت، والعينُ شاخصةٌ للنور
يارا بالي:
عامٌ جديد والأماني مُعلّقة، والصبر بات في تعبٍ يعاني جفاء الفرج وكربة الأيام، والوقت يمضي في ثقلٍ، مرٌّ مذاقه كثقل أحداثه والتفاصيل.. نعم هي سنةٌ عجفاء مرّت على كل سوري، بكل الأحداث والجزئيات.. سنةٌ اعتصرت كل سنين الحرب فأتت بشرابٍ بطعم الحنظل، ويغدو صبر الأزمة الطويلة فيها بلا قيمة ولا أثر… حصارٌ اقتصاديٌّ خانقٌ قد حلّ، وحلّ معه الفقر، ونقص الموارد الغذائية، والطبية، والخدمية على كل المستويات.. فغدت بلدنا بلد )الطوابير(وأم الأزمات بامتياز.. طوابير بدايتها وأخطرها الخبز، وهكذا مروراً بالمواصلات وزحمة الطرق، وصولاً حتى طابور الصرّاف الآلي مع بداية كل شهر لاستلام الراتب الشهريّ.
كل هذا والعالم يعاني حصار المرض وانتشار الجائحة الأخطر في هذه السنة )كوفيد 19_ كورونا( انتشاراً فجّر الأزمة، واستنزف آخر قطرات صبرٍ لدى الإنسان السوري، فالمشافي قد تفرّغت للعزل والأطباء والكادر الطبي في صمود أسطوري يعانون يومياً مشاق العمل الطويل وخطورته، فلا يخلو يوم من خبر وفاة طبيب، أو إصابة ممرّض، وما زاد الأمور تعقيداً أنّ الأزمة للأسف طالت حتى الأدوية منذ منتصف السنة وإلى الآن مستمرة، رغم الحاجة الشديدة، ورغم الانتشار المخيف عالمياً للجائحة الوبائية.. فلا قوة شرائية تدعم المواطن لشراء معدات الوقاية، ولا وفرة فيها تجعل من ثمنها متاحاً للجميع، والغلاء في سباق مخيف، مع كل ساعة ارتفاع جديد، ارتفاع يجعل الطوابير حالة إجبارية، ويجعل التوقف عن العمل أمراً مستحيلاً مهما اشتدَّ خطر الوباء ومهما كانت الحاجة للتباعد الاجتماعي ملحّة.
هو شريطٌ نذكره اليوم، والعينُ شاخصةٌ للنور، وفي القلب أمل كبير بعامٍ جديد يحمل معه أفراحاً غابت، وأحلاماً على قائمة الانتظار تعاني العجز لشبابٍ يستحقون النجاح والنصر، وسواعد عظيمة العطاء، قوية البناء، وقفت إلى جانب وطن عانى مرارة الحرب الطويلة ومازال. ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم، إلى متى ستبقى ملحقات الحرب تأكل الصغير والكبير؟ وهل من حلول جذرية توقف الكارثة بعد أن أخذت كل ما في الجيب من مخزون وقوة؟ هي أسئلة يعلو فيها الصوت، علّه يصل آذان من يملك القرار لأن الواقع لم يعد يحتمل.. فالكل ينتظر قرارات حكيمة تنصفه، فلا الطالب في جامعته مرتاح، ولا المعلّم في مدرسته ناجٍ من التعب، والجميع تحت سماء الغلاء الفاحش وأزمة الكهرباء وانقطاع المحروقات يعاني..
نعم، هو عام جديد، يحتاج فيه الوطن الجريح إلى التجديد على أمل النجاة، فمن المحزن والعار أن يغدو أكبر الطموح للشاب السوري هو جواز سفر ينقله إلى بلاد تبنيه وتلهمه.. محزن أن تخسر الأوطان سواعدها وحجر الأساس فيها، فالسنون المتعاقبة هي مجرّد أرقام تتغيّر إن لم تحمل معها أحداثاً وتطلعات جديدة، والأهم أن تحمل نيّة صادقة بالتغيير.