الأزمات الاجتماعية هل ستقودنا للتغيير

سليمان أمين:

كثرت الفوضى في الآونة الأخيرة من جرائم دعارة وسرقات وغيرها من مظاهر الانحلال أخلاقياً واجتماعياً والخارجة عن حدود القانون، ولعل ما حدث منذ عدة أيام في مدينة جبلة السورية عقب لعبة كرة قدم بين فريقي المحافظة نفسها من عمليات شغب ليس سوى نموذج بسيط جداً للازمات الاجتماعية التي يعيشها السوريون اليوم نتيجة سوء استخدام الإدارة من قبل المسؤولين خلال السنوات الماضية، ما جعل الوضع يتفاقم أكثر وأكثر حتى وصل المجتمع إلى مراحل الجهل والجوع والعوز وتهديم المؤسسات الخدمية وتحويلها لمراكز جباية لا أكثر، بعملية رفع الدعم وتحرير الأسعار، ومازال الحبل على الجرار باختلاق أزمات جديدة وتضخيمها وإشغال الناس بها، ثم رفع الأسعار أكثر وفق ما يريده تجار الوطنية الذين يقبعون خلف الكواليس محركين مجريات المسرحية وفق أهوائهم الشخصية.

كما بات الواقع اليوم أننا نعيش وسط أزمة اجتماعية كبرى لم نعمل لمواجهتها، ولم تُعطَ ما تستحقه من اهتمام واستنفار حكومي واجتماعي وثقافي وقانوني، فالمدن تقوم على (الثقة) وإذا تعرضت منظومة الثقة للخلل أو الانهيار فإن منظومة الحياة نفسها تتعرض للانهيار، الأمن والاقتصاد والأعمال والمصالح والعلاقات وغيرها، ويمكن تصنيف الأزمات الاجتماعية بنوعين:

أولاً_ الأزمة الانفجارية السريعة: وتحدث عادة فجأة وبسرعة، كما تختفي أيضا بسرعة!! وتتوقف نتائج هذه الأزمات على الكفاءة في إدارة الأزمة، والتعلم منها ويمكننا أن نذكر هنا على سبيل المثال الحرائق التي حدثت في جبال الساحل السوري، انفجار صومعة الحبوب في طرطوس وغيرها الكثير من الأزمات السريعة. 

 ثانياً_ الأزمة البطيئة الطويلة: تتطور هذه الأزمة بالتدرج ، وتظهر على السطح رغم كثرة الإشارات والإنذارات التي صدرت عنها، لكن المسؤولين لم يتمكنوا من استيعاب دلالات هذه الإشارات والتعامل معها، ولا تختفي هذه الأزمة سريعاً، بل قد تهدد المجتمع لعدة أيام ويمكن أن تمتد لأشهر، وعلى سبيل المثال يمكن أن نذكر الأزمات الحاصلة في الخدمات المقدمة للمواطن كأزمة الخبز والبنزين والكهرباء والغاز وغيرها من الأزمات الأخرى، من هنا لابد من تعديل الخطة الموجودة لمواجهة الأزمة أو وضع خطة جديدة، والتعامل مع الأزمة في سرعة وحسم وبلا تردد، فكل دقيقة لها قيمة، وفي كل دقيقة ستواجه بتحديات وضغوط من المسؤولين، ومن الجمهور، بل ومن بعض وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية، لكن كل هذه التحديات قد تكون فرصة لاختبار مدى قدرة فريق الأزمة أو الحكومة على التصرف، كما قد تكون فرصة أمام العاملين لإثبات تماسكهم ووحدتهم، مثال: وجود مشكلات بين العاملين والإدارة حول ساعات العمل والأجر الإضافي وظروف العمل، والدخول في مفاوضات بين الطرفين، وفشل المفاوضات.

تختلف التهديدات التي تواجه المجتمع، وبالتالي يمكن تصنيف الأزمات استناداً إلى نوعية ومضمون التهديد، فهناك تهديدات خارجية موجهة ضد المعلومات، ومجموعة متعلقة بالأعطال والفشل، وتهديد خارجي موجه ضد الاقتصاد، والخسائر الفادحة، وتهديدات نفسية، والأمراض المهنية وغيرها الكثير من الأمور الأخرى.

الأزمات الاجتماعية

 يتمثل جوهرها في عدم الحفاظ على الوحدة الأساسية للمجتمع عبر توفير أساسيات العيش الكريم، ويجب أن تمنح الأسرة أكبر قدر ممكن من المساعدة في تكوينها ونهوضها عبر حماية النساء والأطفال والمراهقين من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي واستخدامهم في أي عمل من شأنه إفساد أخلاقهم أو الإضرار بصحتهم أو تهديد حياتهم بالخطر أو إلحاق الأذى بنموهم، وكان على الحكومة تدارك هذه النقطة بالذات التي تفاقمت بشكل خطير جداً وكانت من الأسباب الرئيسية في تفكك المجتمع وتشتته. 

فإن أي خلل في عمل المنظومة الاجتماعية يؤدي إلى تهالك باقي عناصر المنظومة، وهذا ما حدث خلال سنوات في بلدنا السوري، حيث جرى العمل على تحرير الأسعار ونقل المجتمع لاقتصاد السوق الحرة الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر والعجز في المجتمع، واندثار الطبقة الوسطى التي كانت الأساس  المتين للمجتمع، وقد بات المجتمع السوري اليوم أمام اضطراب كبير وواسع جداً من خلال افتعال الأزمات الكثيرة طويلة الأمد والتي تصب في مصلحة تجار الأزمات ومفتعليها، فاليوم نحن أمام أخطر الأزمات المخيفة إن لم تعالج بسرعة ومن هذه الأزمات يمكن أن نذكر:

أزمات الغذاء والسكن

 يعاني السوريون اليوم من فقدان مصادر الحياة الرئيسية كالكهرباء والغاز والمحروقات وغيرها الكثير من الخدمات الأخرى الأساسية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء بعشرة أضعاف دخلهم الشهري ولم تسلم العقارات من ذلك، مما زاد الوضع أكثر سوءاً مع غياب خطة الحكومة العلاجية لهذا الواقع، فمن حق أي فرد الحصول على الغذاء الكافي، والحصول على السكن المناسب والملائم، ومن حق كل شخص أن يكون في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبما يضمن التحرر من الجوع، وحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، كما يجب على الحكومة أن تقوم بجميع التدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة تقوم على تحسين طرق تأمين وإنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية للمواطنين وبما يتناسب مع دخلهم الشهري، عن طريق الاستفادة الكلية من المعارف التقنية والعلمية، وتأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعاً عادلاً في ضوء الاحتياجات.

أزمات الصحة والعلاج

 تراجع القطاع الصحي والعلاجي وارتفاع أسعار الأدوية والمعالجة وكذلك ارتفاع تسعيرات الأطباء والمشافي دون أي ارتفاع في دخل المواطن هو أزمة حقيقية بحد ذاتها، وقد ترتب عليه غياب الحق في العلاج والتأمين الصحي، فحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية، بداية من تأمين نمو الطفل نموّاً صحيّاً، وتحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، والوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها. إضافة إلى مراقبة أسعار الأدوية والمعاينات التي ترتفع بشكل يومي دون رقابة.

أزمة البطالة

تنبع من عدم احترام تطبيق حق العمل، وما يتفرع عنه من أزمات الحصول على الأجر العادل وتكوين التنظيمات النقابية والعمالية، وحق الإضراب وممارسته…إلخ، كما يتعرض الكثير من العمال للظلم دون تطبيق القوانين التي تحميهم وتحاسب المسؤولين عنهم، ومن جهة أخرى هناك الكثيرون ممن يعملون في الشوارع لكسب رزقهم من خلال بسطة يتعرضون للأذى من قبل البلديات وغيرها.

أزمة الضمان الاجتماعي

  يجب أن توفر الدولة لمواطنيها الحدود الدنيا للعيش الكريم التي تحفظ عليهم حياتهم، وهذا حق ومطلب دستوري واضح وجلي، لكن ما حدث ويحدث منذ سنوات هو العكس تماماً فقد أرهقت الحكومات المتتالية الشعب وحولته لحصالة دفع من خلال الضرائب ورفع أسعار الخدمات المقدمة.

ختاماً

هناك الكثير من الأزمات الأخرى كالتربية والتعليم وهي تعتبر من الأزمات الخطيرة أيضاً التي أدت وسوف تؤدي إلى حالة من الفلتان الذهني واللاأخلاقي، لأنها لم تواكب متطلبات وتحديثات التعليم العالمي وافتقارها للقيم التربوية والأخلاقية، كما تعتبر أزمة رفع تسعير المواد الأساسية بشكل شبه يومي أسوأ ما يمكن بوصفه بأزمة، دون وجود أي خطة علاجية لليوم، وتهرّب حكومي واضح وجلي من خلال تناقض التصريحات وعدم صدقها، ويبقى لدينا سؤال إلى متى اختلاق الأزمات يا حكومتنا؟؟ وإلى ماذا ستقودنا خلال الفترة القادمة، فالمواطنون اليوم لم يعد لديهم الصبر ولا القوة للتحمل؟ فهل هناك تغيير قادم أم ماذا؟؟

العدد 1102 - 03/4/2024