الأمن.. والأمان

كتب رئيس التحرير:

لا نبالغ إذا قلنا بأن الأمن والأمان كانا المطلبين الرئيسيين للجنس البشري، منذ أن انقسمت المجتمعات البشرية إلى طبقات متناحرة، وازدادت الحاجة إليهما بعد أن شهد العالم، بقديمه وحديثه، حروباً وكوارث إنسانية، تسبّبت بنكبات وهلاك مئات الملايين من البشر.

الأمن، بمعناه الاجتماعي والإنساني، هو تطمين الإنسان واطمئنانه لحاجاته البيولوجية، ولاستمرار حياته في مجتمعه الآمن أيضاً، ويشمل الأمن بهذا المعنى الكفاية الغذائية وحاجته للخدمات في مجتمع خال من الاضطرابات والتناحرات الاجتماعية.

والأمان الذي سعى ويسعى إليه الإنسان هو وجوده ضمن الأسرة البشرية دون خوف من خطر أعداء الخارج، وطغيان الداخل، ودون قلق على الوطن الذي يعيش فيه.

ويقاس نجاح الأنظمة السياسية والحكومات اليوم بمدى تحقيقها لهذين المطلبين لمواطنيها، في جميع البلدان، وجرى وضع العديد من المعايير والمؤشرات للدلالة على أداء الهيئات الحاكمة، في سعيها لتحقيق هذين المطلبين، ودون الوقوع في خطأ التعميم، فقد نجحت أكثرية الدول الأوربية وبعض البلدان النامية في تأمين الأمن والأمان لمواطنيها حتى الآن، بانتظار مفاجآت قد تتسبب بها الطغم المسيطرة على دفة الحرب والسلم في قلعة الإمبريالية العالمية وبعض حلفائها.

الأمن.. والأمان، يختصران نضال الشعب السوري في تاريخه الحديث ويشكّلان، خاصة بعد نيل الاستقلال، طموح جميع الفئات الاجتماعية، لا لضمان البقاء فقط، بل لتأمين مستقبل يتيح لأجيالهم القادمة العيش والإبداع والمساهمة في إثراء الحضارة الإنسانية، لكن هذا الطموح اصطدم دائماً بمعوقات سياسية واقتصادية خارجية تتعلق بتكالب قوى العدوان، وداخلية تتعلق بأنظمة الحكم، أدت إلى حالة القلق المزمن التي يعانيها المواطنون السوريون.

لقد أدت الأزمة ومحاولات الغزو الإرهابي لبلادنا إلى تفاقم الخوف والقلق، خاصة بعد أن تسبب الإرهابيون باستشهاد الآلاف وتهجير الملايين، وركود الاقتصاد، بعد حصار جائر فرضته قوى التحالف المعادي لسورية بزعامة الإمبريالية الأمريكية، فارتفعت نسب الفقر والبطالة، والاحتياج الغذائي ومؤشرات اجتماعية أخرى، إلى درجات غير مسبوقة داخلياً وعالمياً، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة خلال الأزمة، لأسباب لا تتعلق كلها بحالة الحصار، من تخفيف حالة القلق (على كل شي) لدى المواطنين السوريين، رغم التضحيات الكثيرة والغالية التي قدّموها للوطن في مواجهة الغزو الإرهابي، بل يلمس المواطن اليوم لمس اليد محاولات لإلغاء الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة، بعد زيادة أسعار المشتقات النفطية والمواد الغذائية المدعومة، والدواء، ورغيف الخبز الذي ظنه المواطن السوري خطاً أحمر!

لقد تفاءل المواطنون السوريون بنجاحات جيشهم الباسل، بعد أن استعاد معظم الأرض السورية، وتوقعوا أن تكون هذه النجاحات بداية النهاية لمعاناتهم المعيشية والاجتماعية والإنسانية، لكن ما واجهوه من ارتفاع جنوني لأسعار جميع السلع والخدمات، ومن تراجع أدوات الحكومة عن القيام بدورها، ومساهمتها بقصد أو دون قصد، في تسليط سيف الحيتان وأسياد السوق على رقاب السوريين، كل ذلك أحبط ذلك التفاؤل، ورفع منسوب القلق لدى الفئات الشعبية، لا على حاضرها فقط، بل على مستقبلها ومستقبل الوطن برمّته.

من أجل ضمان الأمن والأمان، لجميع السوريين، نرى جمع كلمة السوريين في ندوة وطنية شاملة تضم القوى السياسية الوطنية والاجتماعية والدينية والإثنية، والتوافق على إنهاء الأزمة السورية عبر الطرق السياسية، وبالاستناد إلى الثوابت الوطنية المتمثلة بسيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً، ومنع تقسيمها تحت أي شعار، ورسم ملامح الغد السوري الذي يضمن الأمن والأمان، الغد الديمقراطي- العلماني، عبر دستور ديمقراطي يعظّم قيمة الوطن ويعلي من كرامة المواطن.

لقد طال اغتراب المواطن السوري، وآن للجميع أن يتذكروا حقيقة أثبتتها تجارب الشعوب، وهي انتصار الحق والعدل في نهاية المطاف، فلا تضعوا شروطاً على أمن المواطن وأمانه!

العدد 1102 - 03/4/2024