الأسمدة بين الحقائق العلمية وتصريحات وزارة الزراعة

 سليمان أمين:

أثارت تصريحات وزارة الزراعة الأخيرة حول الزراعة من دون تسميد لمحصول القمح، حفيظة بعض خبراء الزراعة والمختصين وتساؤلاتهم، وكذلك بعض الفلاحين، ولم نرَ أي ردّ من قبل الأكاديميين في جامعاتنا ومراكز البحوث الزراعية حول ما تطلقه الوزارة من تصريحات قد تعيدنا إلى عصور الزراعة القديمة، بحجة التعاطي مع حالة الحصار وضعف الإمكانات، فلا يكفي، يا سيادة الوزير المحترم، أن نزرع قمحاً دون وجود السماد الذي يعتبر العنصر الأساسي لإعطاء إنتاج جيد للمحصول الرئيسي والاستراتيجي لأي بلد في العالم. وقد كانت سورية في مقدمة الدول المنتجة للقمح القاسي بأصناف متعددة، ولم تقصر حكومة الثمانينات في تأمين السماد وكل مستلزمات الزراعة وبذورها رغم الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً، ولم تظهر تصريحات حكومية آنذاك تؤثر تأثيراً كبيراً على الزراعة والصناعة كما يجري اليوم، ولا ندري لمصلحة من جرى وأد الزراعة منذ بداية الحرب على سورية.

إلغاء الزراعات الاستراتيجية كانت بدايتها الشوندر السكري، واليوم هل يكون المقصود هو القمح؟ قمح من دون سماد؟! في أي أكاديمية يُدرّس هذا النموذج الفريد؟ ربما تكون وزراتنا المحترمة متشبعة بأقوال مريم نور: (ازرعوا قمح، كلوا قمح من دون سماد!)، فجاء تصريح السيد الوزير فريداً من نوعه ولأول مرة في تاريخ سورية مخالفاً للشروط الأكاديمية للزراعة، ومنه نقتبس: (عندما نزرع من دون سماد أو سماد أقل نحصل على أنتاج أقل (10 – 15 %)، أما عندما لا نزرع فإننا نخسر الإنتاج كله).

وقد ردّ عليه أحد الأكاديميين بشكل علمي، فأتى رد الوزير عليه بأن يسكت ويهتم بعمله ولا يتدخل، وجرى بعد ذلك حذف التعليق والمنشور الذي احتفظنا بنسخة منه، ولم تقف الوزارة هنا في موضوع تأمين السماد، فقد قرأنا منذ عدة أيام تصريح مدير المصرف الزراعي بأنه : (تم تأمين 40 ألف طن من الأسمدة الفوسفاتية وهي تكفي 75% من الاحتياج في زراعة القمح)، وقد لاقى ردوداً واستغراباً بالنسبة للمساحة المزروعة، وقد لخصها أحد الأكاديميين بأن الدونم المزروع لن يحصل سوى على 3.5 كيلو من اليوريا، وهذا أمر سيئ بالنسبة لمحصول استراتيجي مهم جداً، فأين ذهبت أنواع الأسمدة الأخرى وكميات تسميد الدونم الواحد ليعطي إنتاجاً جيداً من القمح؟ وفي أي سرب تندرج بعض التصريحات من وزارة الزراعة السورية اليوم؟

هنا، سوف نسلط الضوء على أهمية الأسمدة لزراعة القمح، ومعدل احتياجات التربة وفق الدراسات الأكاديمية الزراعية وبحسب مناطق الاستقرار ونوع التربة.

يدرك المزارعون السوريون أهمية التسميد في زيادة إنتاج محاصيلهم الحقلية، وينصح بتحليل التربة لمعرفة مكوناتها من العناصر السمادية الأساسية الآزوتية والفوسفورية والبوتاسية، وإضافة كميات الأسمدة تبعاً لتحليل محتوى التربة الأمثل للإضافة، ويضاف السماد الفوسفوري دفعة واحدة مع الفلاحة الأخيرة، ينصح في الزراعة المروية بإضافة السماد الآزوتي على ثلاث دفعات متساوية:

الأولى: مع الزراعة. الثانية: عند الإشطاء. الثالثة: عند بداية الإسبال.

أما في الزراعة البعلية فتضاف الأسمدة الآزوتية على دفعتين متساويتين:

الأولى: مع الزراعة

الثانية: عند الإشطاء ويمكن أن تستمر حتى فترة تطاول الساق، وعند هطول أمطار كافية لإذابة السماد.

تحويل الوحدات الصافية إلى سماد: بفرض أن السماد هو يوريا 46 % ويحتاج هكتار القمح المروي إلى 144 وحدة نقية، فتحسب الكمية اللازمة حسب المعادلة: 46/100×

144 =312 كغ/هـ.

وفي هذه الجداول نوضح كمية الأسمدة وفقاً لتحليل التربة في مناطق الزراعة السورية:

الأسمدة الكيماوية هي أملاح معدنية تحتوي على عنصر أو أكثر، وتتميز بسرعة ذوبانها في الماء ويستطيع النبات الاستفادة منها، ولها تأثير سريع على نبتات القمح. والأسمدة المهمة للزراعة هي كالتالي:

  السماد الفسفوري

 عنصر متحرك داخل النبتة قليل الحركة في التربة، وهو من العناصر الغذائية الأساسية جداً في تغذية النبات، كميته في الأنسجة النباتية الجافة وأهم وظائف الفوسفور تكمن في دوره في انقسام وتكاثر الخلايا، ويدخل في بعض الأنزيمات التي تدخل في تفاعلات التحليل الغذائي ويولد الطاقة، كما يعتبر عنصراً مهماً في عمليات التنفس، ويساعد على التكوين المبكر للجذور، ويساعد أيضاً على الاستخدام الأمثل للعناصر الغذائية الأخرى والماء. وإن نقص الفوسفور يؤدي إلى تقزم النبات وتغيّر لون الأوراق إلى اللون البنفسجي نتيجة لتجمع السكر في النبات مما يؤدي إلى نقص ملحوظ في الإنتاجية.

السماد البوتاسي

 عنصر مهم في إنتاج السكريات وانتقالها في النبات، وجوده أساسي لعمليات التمثيل الضوئي ويساعد في امتصاص الآزوت من التربة، كما يزيد في مقاومة النبات لبعض الأمراض ويقلل من عمليات النتح للنبات، وبالتالي يزيد من مقاومته للجفاف ويكسب السيقان والأوراق متانة. ونقص البوتاسيوم يؤدي إلى اصفرار الأوراق في البداية على قمم الأوراق، وبعد ذلك تتلف الأوراق.

السماد الآزوتي

يُعتبر عنصر الآزوت من العناصر الغذائية الهامة في تغذية النبات، ويحتاجه النبات بكميات كبيرة، ويمثل القدر الأكبر للمكونات العضوية الأساسية في النبات التي تشمل البروتينات والإنزيمات والأحماض النووية والكلوروفيل، إضافة إلى أنه يمكن النبات من الحصول على بعض العناصر الغذائية الأخرى مثل الفسفور.

 ونقصه في التربة يؤدي إلى اصفرار على مستوى الأوراق السفلى تظهر بعد فترة طويلة من بداية الفاعلية، أي بعد حصول الضرر على النمو والإنتاجية، وهي في الأساس مرحلة تحلل المادة النباتية أي علامة لموت النبتة.

تعتمد العلاقة ما بين التسميد والمحصول على الحقائق التالية:

– تختلف الاحتياجات من العناصر الغذائية حسب أنواع المحاصيل وأصنافها ومجالات استخدامها.

– تختلف احتياجات المحصول الواحد من العناصر الغذائية حسب مراحل النمو المتعاقبة التي يمر بها من الإنبات حتى الحصاد.

تختلف احتياجات المحصول الواحد من العناصر الغذائية حسب نوع الزراعة مروية أو مطرية وحسب كميات مياه الري أو الأمطار.

– يتم استخدام الأسمدة لتأمين احتياجات المحصول من العناصر الغذائية إضافة إلى ما هو متوفر في التربة مع ضرورة تحقيق مردود مجزٍ اقتصادياً والمحافظة على خصوبة التربة.

 ختاماً، إذا أردنا عودة الزراعة السورية إلى سابق عهدها يجب أن تكون الوزارة والمختصون فيها في مقدمة المهتمين بتأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي، وليس فقط الظهور إطلاق تصريحات يفتقد بعضها للمعايير الأكاديمية في الزراعة، وكذلك نحتاج لأصوات دكاترتنا في الجامعات واعتراضهم على أخطاء الوزارة، فهم الأساس في عملية تنشيط الزراعة وعودتها لمسارها الصحيح، فهل تكون تصريحات الوزارة الأخيرة تهرّباً من مسؤولياتها في تأمين السماد ومستلزمات الزراعة والمازوت للفلاحين، أم أنها تعمل ولا تريد أن تعد بما ليست متأكدة من تحقيقه؟

نأمل ونسعى مع العاملين للتخفيف من أوجاع السوريين، واستعادة الزراعة موقعها الذي تستحقه على مستوى اقتصادنا الوطني!

العدد 1102 - 03/4/2024